قوله عزوجل :
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٥)
قوله (أَلا تُقاتِلُونَ) عرض وتحضيض ، وقوله (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، قال الحسن بن أبي الحسن : المراد من المدينة ، وهذا مستقيم كغزوة أحد والأحزاب وغيرهما ، وقال السدي : المراد من مكة فهذا على أن يكون المعنى هموا وفعلوا ، أو على أن يقال هموا بإخراجه بأيديهم فلم يصلوا إلى ذلك بل خرج بأمر الله عزوجل ، وهذا يجري مع إنكار النبي صلىاللهعليهوسلم على أبي سفيان بن الحارث قوله : [الطويل]
وردني إلى الله من |
|
طردته كل مطرد |
ولا ينسب الإخراج إليهم إلا إذا كان الكلام في طريق تذنيبهم كما قال تعالى : (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ١٢٧] وقوله : (مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) [محمد : ١٣] والأول هو على أن ما فعلوا به من أسباب الإخراج هو الإخراج ، وقوله (أَوَّلَ مَرَّةٍ) قيل يراد أفعالهم بمكة بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين ، وقال مجاهد : يراد به ما بدأت به قريش من معونة بني بكر حلفائهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان هذا بدء النقض ، وقال الطبري : يعني فعلهم يوم بدر ، وقوله (أَتَخْشَوْنَهُمْ) استفهام على معنى التقرير والتوبيخ ، وقوله (فَاللهُ) مرتفع بالابتداء و (أَحَقُ) خبره ، و (أَنْ تَخْشَوْهُ) بدل من اسم الله بدل اشتمال أو في موضع نصب على إسقاط خافض تقديره بأن تخشوه ، ويجوز أن يكون «الله» ابتداء و (أَحَقُ) ابتداء ثان و (أَنْ تَخْشَوْهُ) خبر الثاني والجملة خبر الأول ، وقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كما تقول افعل كذا إن كنت رجلا أي رجلا كاملا ، فهذا معناه إن كنتم مؤمنين كاملي الإيمان ، لأن إيمانهم قد كان استقر ، وقوله (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ) الآية ، قررت الآيات قبلها أفعال الكفرة ثم حضض على القتال مقترنا بذنوبهم لتنبعث الحمية مع ذلك ، ثم جزم الأمر بقتالهم في هذه الآية مقترنا بوعد وكيد يتضمن النصرة عليهم والظفر بهم ، وقوله (يُعَذِّبْهُمُ) معناه بالقتل والأسر وذلك كله عذاب ، (وَيُخْزِهِمْ) معناه يذلهم على ذنوبهم يقال خزي الرجل يخزى خزيا إذا ذل من حيث وقع في عار ، وأخزاه غيره وخزي خزاية إذا استحيا ، وأما قوله (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) فإن الكلام يحتمل أن يريد جماعة المؤمنين لأن كل ما يهد من الكفر هو شفاء من هم صدور المؤمنين ، ويحتمل أن يريد تخصيص قوم من المؤمنين ، وروي أنهم خزاعة قاله مجاهد والسدي ووجه تخصيصهم أنهم الذين نقض فيهم العهد ونالتهم الحرب وكان يومئذ في خزاعة مؤمنون كثير ، ويقتضي ذلك قول الخزاعي عن المستنصر بالنبي صلىاللهعليهوسلم : [الرجز]
ثمّت أسلمنا فلم تنزع يدا