محمّـد صلى الله عليه وآله ، والأُولى من أوائل السور المدينة نزولاً ، والثانية متقدّمة نزولاً على سورة التحريم أيضاً ..
ففي الأُولى : (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهِدُ اللهَ على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصامِ * وإذا تولّى سعى في الأرض ليُفسـدَ فيها ويُهلكَ الحـرثَ والنسلَ واللهُ لا يحبّ الفسادَ * وإذا قيل له اتّقِ اللهَ أخذتْهُ العزّةُ بالإثمِ فحسْبُهُ جهنّمُ ولبئس المِهادُ * ومن الناس مَن يشري نفسَـهُ ابتـغاءَ مرضـاتِ اللهِ واللهُ رؤوفٌ بالعبادِ) (١).
الملفت للانتباه أنّ في هذه الآيات جرى التقابل بين طرفين وموقعين في مجرى الأحداث في مسار الأُمّة ، وها هنا الطرف الثاني الذي تتعرّض له الآيات بالمديـح والثناء ، وبيان أنّه المؤهّل لولاية الأمر من قبله تعالى ؛ بقرينة تقريع الآيات للطرف الأوّل ، الذي تتوقّع استيلاءه على مقاليد الأُمور ، وتذكر له العديد من الصفات ، مثل : حلاوة المقال مع عداوة القلب ، وخصامه الكثير ولجاجه ، وقساوته عند تولّيه الأُمور بتغريب النتاج المدني البشري ، والإبادة للطبيعة البشرية.
وها هنا الآيات لم تصف النسل البشـري بصـفة خاصّة ، ممّا يعطي أنّ التقريـع للإبادة مـوردها الطبيعة البشـرية من حيث هي محترمـة كخلق لله تعالى ، بغضّ النظر عن الحرمة من جهة الإيمان أو الإسلام ، وهذا مؤشّر على موارد وقوع هذه الصفة المُتنبَأ بها في الآيات ، وقد مرّت الإشارة إلى هذا البحث في حلقات سابقة.
____________
(١) سورة البقرة ٢ : ٢٠٤ ـ ٢٠٧.