وقال سعد : أما والله لو أنّ بي قوّة ما ، أقوى على النهوض لسمعتَ منّي في أقطارها وسككها زئيراً يُجْحرِك (١) وأصحابك ، أما والله إذاً لألحقنّك بقوم كنتَ فيهم تابعاً غير متبوع ، احملوني من هذا المكان.
فحملوه فادخلوه في داره ، وتُرك أياماً ثمّ بعث إليه أن أقبل فبايع ، فقد بايع الناس وبايع قومك.
فقال : أما والله حتّى أرميكم بما في كنانتي من نبلي ، وأخضّب سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومَن أطاعني من قومي ، فلا أفعل ..
وأيْمُ الله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم ، حتّى أُعرَض على ربّي وأعلم ما حسابي.
فلمّا أُتي أبو بكر بذلك قال له عمر : لا تدعه حتّى يبايع.
فقال له بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وأبى ، وليس بمبايعكم حتّى يُقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضارّكم ، إنّما هو رجل واحد.
فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لِما بدا لهم منه.
فكان سعد لا يُصلّي بصلاتهم ولا يجمع معهم ، ولا يحجّ ولا يُفيض معهم بإفاضتهم ، فلم يزل كذلك حتّى هلك أبو بكر (٢).
وأخرجه ابن الأثير بألفاظ مقاربة لما في الطبري (٣).
وحكى ابن أبي الحديد عن قاضي القضاة في المغني قوله عند
____________
(١) أي : يدخلكم المضائق. الصحاح ٢ / ٦٢٣ مادّة «حجـر».
(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٢٢.
(٣) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٣١.