ومن الواضح أنّ حكاية عمّار عن حذيفة حديث النبيّ صلى الله عليه وآله عن الاثني عشر منافقاً ـ عدد أصحاب العقبة الّذين نفروا دابّة رسول الله صلى الله عليه وآله ـ في ذلك الوقت ، تعريض بأنّ بعض الصحابة كانوا من جملة الاثني عشر ، لاسيّما وأنّ عمّار وحذيفة هما اللّذان كانا مع الرسول صلى الله عليه وآله حينها ، وأنّ تعبيره صلى الله عليه وآله كان : «في أصحابي» ، الذي يعطي اختصاصهم القريب بالصحبة لـه صلى الله عليه وآله.
وروى مسلم في صحيحه أيضاً في كتاب صفات المنافقين روايات أُخرى فيهم نقلناها في الحلقات المتقدّمة ، فلتلحظ.
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن زيد بن وهب الجهني ، يحدّث عن حذيفة : «قال : مرّ بي عمر بن الخطّاب وأنا جالس في المسجد فقال : يا حذيفة! إنّ فلاناً قد مات فاشهده. قال : ثمّ مضى حتّى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إليّ فرآني وأنا جالس فعرف ، فرجع إليّ فقال : ياحذيفة! أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال : قلت : اللّهمّ لا ، ولن أُبرّئ أحداً بعدك ، قال : فرأيت عيني عمر جاءتا» (١).
وروى هذه الرواية ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب بسنده (٢).
وجواب حذيفة في هذه الرواية يتضمّن التعريض الشديد ، كما هو طافح من ألفاظه ؛ إذ ما معنى : «ولن أُبرّئ أحداً بعدك»؟! فإنّ أيّ فرد من الناس إذا لم يكن من المنافقة أصحاب العقبة فلا معنى لامتناع حذيفة من الجواب ..
____________
(١) تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٢٧٦.
(٢) بغية الطلب في تاريخ حلب ٥ / ٢١٦٧.