وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ(٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢٦)
(ذلِكُمْ) رفع بالابتداء ، والإشارة به إلى قوله : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ) [فصلت: ٢٢] قال قتادة : الظن ظنان : ظن منج ، وظن مهلك.
قال القاضي أبو محمد : فالمنجي : هو أن يظن الموحد العارف بربه أن الله يرحمه والمهلك : ظنون الكفرة الجاهلين على اختلافها ، وفي هذا المعنى ليحيى بن أكثم رؤيا حسنة مؤنسة. و (ظَنُّكُمُ) خبر ابتداء.
وقوله : (أَرْداكُمْ) يصح أن يكون خبرا بعد خبر ، وجوز الكوفيون أن يكون في موضع الحال ، والبصريون لا يجيزون وقوع الماضي حالا إذا اقترن ب «قد» ، تقول رأيت زيدا قد قام ، وقد يجوز تقديرها عندهم وإن لم تظهر. ومعنى : (أَرْداكُمْ) أهلككم. والردى : الهلاك.
وقوله تعالى : (فَإِنْ يَصْبِرُوا) مخاطبة لمحمد عليهالسلام ، والمعنى : فإن يصبروا أو لا يصبروا ، واقتصر لدلالة الظاهر على ما ترك. والمثوى : موضع الإقامة.
وقرأ جمهور الناس : «وإن يستعتبوا» بفتح الياء وكسر التاء الأخيرة على إسناد الفعل إليهم. «فما هم من المعتبين» بفتح التاء على معنى : وإن طلبوا العتبى وهي الرضى فما هم ممن يعطوها ويستوجبها. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري : «وإن يستعتبوا» بضم الياء وفتح التاء. «فما هم من المعتبين» بكسر التاء على معنى : وإن طلب منهم خير أو إصلاح فما هم ممن يوجد عنده ، لأنهم قد فارقوا الدنيا دار الأعمال كما قال عليهالسلام : «ليس بعد الموت مستعتب» ويحتمل أن تكون هذه القراءة بمعنى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨].
ثم وصف عزوجل حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا ، فختم عليهم فقال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي يسرنا لهم (قُرَناءَ) سوء من الشياطين وغواة الإنس.
وقوله : (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي علموهم وقرروا في نفوسهم معتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوات ، ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء إلى غير ذلك مما يقال إنه بين أيديهم ، وذلك كل ما تقدمهم في الزمان واتصل إليهم أثره أو خبره ، وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك مما يقال فيه إنه خلف الإنسان ، فزينوا لهم في هذين كل ما يرديهم ويفضي بهم إلى عذاب جهنم.
وقوله : (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي سبق القضاء الحتم ، وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وقالت فرقة : (فِي) بمعنى : مع ، أي مع أمم ، والمعنى يتأدى بالحرفين ، ولا نحتاج أن نجعل حرفا بمعنى حرف إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين.