وقوله تعالى : (وَهِيَ دُخانٌ) روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان أو البخار ، وروي أنه مما أمره الله أن يصعد من الماء ، وهنا لفظ متروك ويدل عليه الظاهر ، وتقديره : فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها ، وحينئذ قيل لها وللأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً).
وقرأ الجمهور : «إيتيا» من أتى يأتي «قالتا أتينا» على وزن فعلنا ، وذلك بمعنى إيتيا وإرادتي فيكما ، وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد : «آتيا» من آتى يؤتى «قالتا آتينا» على وزن أفعلنا ، وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما ، والإشارة بهذا كله إلى تسخيره وما قدره الله من أعمالها.
وقوله : (أَوْ كَرْهاً) فيه محذوف ومقتضب ، والتقدير : (ائْتِيا طَوْعاً) وإلا أتيتما (كَرْهاً). وقوله : (قالَتا) أراد الفرقتين المذكورتين ، وجعل السماوات سماء والأرضين أرضا ، ونحو هذا قول الشاعر : [الوافر]
ألم يحزنك أن حبال قومي |
|
وقومك قد تباينتا انقطاعا |
جعلها فرقتين ، وعبر عنها ب (ائْتِيا).
وقوله : (طائِعِينَ) لما كانت ممن يقول وهي حالة عقل جرى الضمير في (طائِعِينَ) ذلك المجرى ، وهذا كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] ونحوه.
واختلف الناس في هذه المقالة من السماء والأرض ، فقالت فرقة : نطقت حقيقة ، وجعل الله تعالى لها حياة وإدراكا يقتضي نطقها. وقالت فرقة : هذا مجاز ، وإنما المعنى أنها ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة القول (أَتَيْنا طائِعِينَ) والقول الأول أحسن ، لأنه لا شيء يدفعه وإنما العبرة به أتم والقدرة فيه أظهر.
وقوله تعالى : (فَقَضاهُنَ) معناه : صنعهن وأوجدهن ، ومنه قول أبي ذؤيب : [الكامل]
وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داود أو صنع السوابغ تبع |
وقوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) قال مجاهد وقتادة : أوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة وإليها هي في نفسها ما شاء تعالى من الأمور التي بها قوامها وصلاحها. قال السدي وقتادة : ومن الأمور التي هي لغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوه ، وأضاف الأمر إليها من حيث هو فيها ، ثم أخبر تعالى أن الكواكب زين بها السماء الدنيا ، وذلك ظاهر اللفظ وهو بحسب ما يقتضيه حسن البصر.
وقوله تعالى : (وَحِفْظاً) منصوب بإضمار فعل ، أي وحفظناها حفظا.
وقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما ذكر ، أو أوجده ، بقدرته وعزته ، وأحكمه بعلمه.
قوله عزوجل :
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ