الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) (١) ، فلّما بلّغ الرسالة يومئذ بنصّه على عليّ بالإمامة ، وعهده إليه بالخلافة ، أنزل الله عزّ وجلّ عليه : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (٢) ، بخ بخ (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ؛ إنّ من نظر إلى هذه الآيات ، بخع لهذه العنايات.
٣ ـ وإذا كانت العناية من الله عزّ وجلّ على هذا الشكل ، فلا غرو أن يكون من عناية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما كان ، فإنّه لمّا دنا أجله ، ونعيت إليه نفسه ، أجمع ـ بأمر الله تعالى ـ على أن ينادي بولاية
____________
(١) لا كلام عندنا في نزولها بولاية عليّ يوم غدير خمّ ، وأخبارنا في ذلك متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة ، وحسبك ممّا جاء في ذلك من طريق غيرهم ، ما أخرجه الإمام الواحدي في تفسير الآية من سورة المائدة ص ١٥٠ من كتابه أسباب النزول ، من طريقين معتبرين عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية : (ياأيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبيطالب.
قلت : وهو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم في تفسيرها من كتابه نزول القرآن بسندين ، (أحدهما) عن أبي سعيد (والآخر) عن أبي رافع ، ورواه الإمام إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في كتابه الفرائد بطرق متعدّدة عن أبي هريرة ، وأخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي في معنى الآية من تفسـيره الكبير ، بسندين معتبرين.
وممّا يشهد له أنّ الصلاة كانت قبل نزولها قائمة ، والزكاة مفروضة ، والصوم كان مشروعاً ، والبيت محجوجاً ، والحلال بيّناً ، والحرام بيّناً ، والشريعة متّسقة ، وأحكامها مستتبّة ، فأي شيء غير ولاية العهد يستوجب من الله هذا التأكيد ، ويقتضي الحثّ على بلاغه بما يشبه الوعيد؟! وأي أمر غير الخلافة يخشى النبيّ الفتنة بتبليغه ، ويحتاج إلى العصمة من أذى الناس بأدائه؟!
(٢) صحاحنا في نزول هذه الآية بما قلناه متواترة من طريق العترة الطاهرة ، فلا ريب فيه ، وإن روى البخاري أنّها نزلت يوم عرفة ـ وأهل البيت أدرى ـ.