بقي السؤال عالقاً في أذهان الكثير : لماذا نبحث مثل هكذا موضوع ، ونحن نعلم أنّ الأرض هي أساس الطهارة؟
فهنا يجب أنْ نجد بديلاً للتراب ؛ لأنّ الحياة قد اختلفت كثيراً وتطوّرت بسبب متطلّبات العيش ، وسهّل هذا التطوّر الكثير من الأُمور ، واختلف فيها الكثير ـ والاختلاف واضح كما مرّ آنفاً ـ ولكن ليكتمل نصاب قضية ما ـ خصوصاً ونحن في هذا البحث ـ يجب إيجاد محلّ طاهر لوضع الجباه عليه حين السجود دون الابتعاد عن مسمّى التراب ، وهذا لا يكتمل إلاّ أن نأخذ من التراب نفسه ونعمل منه شيئاً يحافظ بدوره على الصفات التي تتمتّع بها الأرض ، فبدأ ظهور الألواح الطينيّة الطاهرة ، والتي تسمّى في عصرنا الحاضر : «التُربة».
وهنا يبدأ الحوار : لماذا تمّ اختيار التراب ، دون سواه ، لكي تكون تربته صالحة لعمل هذه التربة؟ وأيّ تراب يمكن أن نعمل منه هذه الأقراص؟
قد يقال : لماذا صُنعت هذه الأقراص ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد على الحصير ، وتارةً يسجد على الخُمرة ، وتارةً يباشر الأرض بجبهته الشريفة (١)؟
ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لم يسجد على الفراش أو السجّاد ، والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها ، فليس هنالك دليل يسوّغ السجود عليها ، بل الأدلّة بخلاف ذلك ؛ لأنّ الغاية منه هو الخضوع
____________
(١) انظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٢٣ ح ٢٤٢ ، سُـنن الترمذي ٢ / ١٥٣ ح ٣٣٢ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٣١١ ح ٦٨٨٤ وص ٤٤٨ ح ٧٠١٨ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٥١ ح ٨٢١ و ٨٢٢.