فمثل هذه الأخبار على تلك القاعدة ، إن أمكن حملها على معانٍ معقولة ، وجعلها إشارة إلى جهات مقبولة ، ورموز إلى الأسباب الروحية المسخّرة لهذه القوى الطبيعية ؛ فنِعم المطلوب ..
والإّ فالصحيح السند يردّ علمه إلى أهله ، والضعيف يضرب به الجدار ، ولا يعمل ولا يلتزم بهذا ولا ذاك ، وهنا دقيقة لا بُدّ من التنبيه عليها والإشارة إليها وهي :
إنّ من الجليّ عند المسلمين عموماً ، بل وعند غيرهم ، أنّ الوضع ، والجعل ، والدسّ في الأخبار قد كثر وشاع ، وامتزجت المجعولات في الأخبار الصحيحة ، بحيث يمكن أن يقال : إنّ الموضوعات قد غلبت على الصحاح الصادرة من أُمناء الوحي وأئمّة الدين.
ويظهر أنّ هذه المفسدة والفتق الكبير في الإسلام قد حدث في عصر النبوّة حتّى صار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحذّر منه وينادي غير مرّة : «من كذب علَيَّ فليتبوّء مقعده من النار» (١) ، و : «إنّه ستكثر علَيَّ الكذّابة» (٢).
ومع كلّ تلك المحاولات والتهويلات لم تنجح في الصدّ عن كثرته فضلاً عن إبادته ، وقد حدث في عصره صلى الله عليه وآله وسلم وما يليه من الشيء الكثير من الإسرائيليات ، وأقاصيص عن الأُمم الغابرة ، ونسبة المعاصي والكبائر إلى الأنبياء والمرسلين والمعصومين (٣) ..
____________
(١) صحيح البخاري ١ / ٣٥ ، صحيح مسلم ١ / ٧ وص ٨ ، سُـنن الترمذي ٢ / ٣٥٧ ح ٢٣٥٨ ، سُـنن أبي داود ٢ / ١٧٧ ح ٣٦٥١ ، مسند أحمد ١ / ٧٨ وص ١٣٠ ؛ وفي معظم المصادر : «من كذب علَيَّ متعمّداً ...».
(٢) راجع : رسائل المرتضى ٢ / ٥٦ ، الكافي ١ / ٨٣ ح ١ باب اختلاف الحديث.
(٣) لقد وصلت الجرأة بهؤلاء الوضّاعين أن يعتدوا على الأنبياء عليهم السلام ، وينسبون إليهم