ومن ذلك حديث بيعة العشـير
وهو : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين) (١) جمع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عشيرته ، وكانوا أربعين رجلاً ، والقصّة طويلة ذكرنا منها موضع الحاجة ، وهو قوله : «فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي في الدنيا والآخرة ، وله الخلافة من بعدي؟».
فما تحرّك أحد ، فقام عليّ وهو أصغرهم سنّاً ومدّ يده ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «اجلس». فأعاد القول ، فلم يقم سواه ، فقال له : «اجلس». فجلس ، وقال ثالثاً ، فقام عليّ ومدّ يده فمدّ رسـول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وبايعه (٢).
____________
(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.
(٢) لم تُعدّ حادثة يوم الدار من الحوادث الغير معلنة والغير واضحة ، بل تعدُّ من الحوادث والمواقف العلنية ، والتي وقعت بمرأى ومسمع أكابر قريش وصناديدهم من كلا المعسكرين ـ معكسر الاِيمان ومعسكر الشرك ـ والاِمام عليّ صلى الله عليه وآله آنذاك في طور الصبى.
فبعد أن دوّى صوت الأمين جبرئيل عليه السلام قائلاً للرسول صلى الله عليه وآله : إنّ الله يأمرك أن تبلِّغ رسالته إلى عشيرتك الأقربين : (وأنذر عشيرتك الأقربين). جمع صلى الله عليه وآله عشيرته وباتّفاق مع عليّ عليه السلام ، وبعد أن أكلوا وشربوا وقف خطيباً فيهم ـ للمرّة الثالثة ؛ إذ في الأُولتين كان أبو لهب يسبقه ـ قائلاً : «يا بني عبـد المطلب! إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، إنّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصييّ وخليفتي فيكم؟
فلم يجبه أحد إلاّ عليّ عليه السلام ، قال : «أنا يا رسول الله ...» فأمره الرسول صلى الله عليه وآله