وهو الذي تمـثّلت له الدنيا في هيئة جميلة ، فقال لها : غرّي غيري (١).
تتلمذ ـ منذ طفولته ـ على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونشأ في كنفه (٢) ، ولا يسع المتأمّل لطبيعة هذه التلمذة ، وللظروف المحيطة بتلك النشأة إلاّ أن يستنتج أنّها أكسبت عليّاً (عليه السلام) سمات راقية في العلم ، وفي البيان ، وفي التديّن الزاهد ، وفي الحقوق والقضاء ، حتّى غدا بعمله وفصاحته وتديّنه صورة قريبة من فصاحة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمه وتديّنه.
وتمكّن من سبر أغوار علوم القرآن وتفسير آياته ، وامتلك عبقريّة فريدة في القضاء والفقه ، وحاز على مَلَكَة بلاغيّة ارتقت إلى الدرجة الثالثة في الفصاحة العربية ، بعد القرآن الكريم ، والقول النبويّ الشريف.
وكان تقشّفه في الحياة ، وزهده بها ، وإعراضه عن مباهجها ، وهروبه منها ، مثار إعجاب المسلمين الأوائل ، وغدا مضرب الأمثال عند السلف (٣).
ولم تقِلّ تجربته الاجتماعية عن تجاربه في التديّن والعلم والقضاء والبيان ، بل لعلّها ـ أُسوة بتجاربه الأُخرى ـ جعلته أقرب الناس إلى الله ، وصيّرته لا يأبه في أمتعة الدنيا ، والذي يبدو أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعرف قدر
____________
(١) فضائل الصحابة (فضائل عليّ (عليه السلام)) ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٥٣١ ح ٨٨٢ ، الاستيعاب ـ لابن عبد البرّ ـ ٣ / ١١١٤.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ لمحمّد عبده ـ ٢ / ١٨٢ ، ضمن الخطبة ١٨٧ ، المسمّاة بـ : القاصعة.
(٣) للاطّلاع على صلة الإمام عليّ (عليه السلام) بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى مكانته بين أصحابه ، وعلى اجتهاده في تثبيت أركان الإسلام ، وعلى نفحات من سيرته وشذرات من علمه ; ينظر : الطبقات الكبرى : الجزء الخاص بالفهارس لمعرفة مواضع ذكر عليّ (عليه السلام) ، تاريخ الأُمم والملوك ـ المسمّى : تاريخ الطبري ـ ٤ / ٥٢٤ وما بعدها ، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء ١ / ٦١ وما بعدها.