ثمّ الاختيار ، كما ترك له حريّة اختيار السبيل لكبح جماح النفس ولَجْم نزواتِها.
وللزهدِ في النهج اتّجاه آخر يتّخذ الوعظَ أُسلوباً أدائيّاً يدعو الأفراد للقيام بعملية استبطان نفوسهم ، ومعرفة نزعاتها ..
«عبادَ الله! زِنُوا أنفسَكم من قبل أن توزَنوا ، وحاسبوها قبل أن تُحاسـبوا» (١) ..
وتحليل طباعها ..
«واعلموا أنّه مَن لم يُعَنْ على نفسه حتّى يكون له منها واعظ وزاجر ، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ» (٢) ..
كي يعرف كلُّ فرد حقّ نفسه عليه ، ويحيط برغباتها المشروعة ، ويقف حائلاً دون انغماسها بالشـبهات ..
«واعلموا عبادَ الله ، أنّ عليكم رصداً من أنفسكم ، وعيوناً من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظُلمةُ ليل داج ، ولا يكنّكم منهم بابٌ ذو رِتاج» (٣) ..
ويقوم بمهمّة الرقيب الداخلي ، القادر على الحزم والنهي ..
«... امرؤ ألْجَمَ نفسَه بلجامها ، وزمّها بزمامِها ; فأمسكها بلجامِها عن معاصي الله ، وقادها بزمامها إلى طاعة الله» (٤) ..
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٩٥.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٩٥.
(٣) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٢١٠ ..
الرصد : الرقيب ; يريد هنا رقيب الذّمةِ وواعظ السرّ.
الرتاج : الباب العظيم المحكم الغلق.
(٤) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٣ / ٣٠٧ ..