فإن تحقّقت هذه المسؤوليّة الفرديّة في النفوس ، وأُحيطت النفس بعوامل المنع الداخلي المسند بالموعظة ، تحقّق للأفراد الحفظ الإلهي بتجـاوز الزلل والخـطايا ..
«مَن كان له من نفسه واعظ ، عليه من الله حافظ» (١).
نستنتج من ذلك : أنّ المسؤوليّة الزهديّة هي قرار ذاتيّ دنيويّ ، يحقّق منفعةً أُخرويّة ذاتيّة ، ينبع اتّخاذُها من حزم الأفراد أنفسِهم مع نفوسِهم ، ولا تتحكّم باتّخاذه عوامل خارجيّة كبيرة ..
ويستطيع المرء أن يقرّر ذلك بنفسه ، ويمتلك حريّة مطلقة في اتّخاذه أُسلوباً حياتيّاً ، فهو أُسلوب في الحياة لا يتعارض مع أيّ وضع آخر في كلّ زمان وأيّ مكان ، وإن سلَك الأفراد في عموم المجتمع هذا السلوك تحقّق للمجتمع كلّه العـدل ..
لذلك ، فغير مبرّر لنا ـ أبناء الأجيال المعاصرة ـ أن نتذرّع بحجج ننحرف بها عن قيم الدين وأُصوله ; فمعاني الزهد المبثوثة في كتاب نهج البلاغة ليس فيها من الغلوّ أو التطرّف أو تعذيب النفس ، من شيء مثل ذلك الذي أشاعته فرق المتصوِّفة في القرون اللاحقة ...
كما أنّها لا تُطالب الأفراد بأكثر من كبح جماح النفس ، ونهيها عن المحرّمات ، ومعرفة ما لها فتسعى إلى نيله بأيسر سبيل ، وإدراك ما عليها فتُلْزَم بتطبيقه وتنفيذه على أحسن الوجـوه.
وتشغل دعوات الاستعداد للموت ، والتذكير به ، ووصف حال أهل القبور ، حيّزاً كبيراً في النهج ، عسى أن يكون من شأن ذلك دفع الناس إلى
____________
زمّها : قادها.
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٨ / ٢٤٢.