مَهَل ، ورغِبَ في طَلَب ، وذهب عن هَرَب ، وراقبَ في يومه غَدَه ، ونظر قُدُماً أمامه ; فكفى بالجنّةِ ثواباً ونوالاً ، وكفى بالنارِ عقاباً ووبالا! ...» (١).
والعبادة التي يجهر بها نهج البلاغة ، ويريدها منهجاً للمؤمنين ، تشتمل على الحثّ الدائم على إمكانية نيل أفضل درجات التقرّب إلى الله ، وبالتالي فهي لا تخرج من دائرة الزهد نفسِها التي يطلّق فيها الزاهد حبَّ المالِ ، وحبّ الأولاد ، ووجاهة الدنيا ، ونعيمها ... ويرضى بما عند الله ، ويقنع به ، وأن يخافه ـ جلّ شأنه ـ خوفَ مَن يراه ، ويرهب سطوته ، رهبةَ عالم بها ، ويعمل لنيل ثوابه في اليوم الآخر.
فالعبادة هنا ، عبادة زاهدة ، فيها من الإخلاص والتوجّه المطلق ، والانشغال بها ، ما يبعدها عن أن تكون أداءً لطقوس يومية ، أو فرائض
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٦٣ ..
أنصب : أتعب.
الغِرار : القليل من النوم وغيره.
أسهره التهجّد : أزال قيامُ الليل نومَه القليل ، فأذهبه بالمرّة.
الهواجر : جمع هاجرة ، وهي نصف النهار عند اشتداد الحرّ.
ظلف الزهد شهواته : منعها.
أوجف الذكر بلسانه : أي أسرع ; كأنّ الذكر لشدّة تحريكه اللسان موجفٌ به كما توجف الناقة براكبها.
لم تفتله : لم تردّه ولم تصرفه.
لم تَعْمَ عليه : من : عمي يعمى ; أي : لم تخْفَ عليه الأُمور المشتبهة.
النعمى : سـعة العيش ونعيمه.
العاجلة : الدنيا ، وسُمّيت : مَعْبراً ; لأنّها طريق يُعَبر منها إلى الآخرة ; وهي : الآجلة.
بادر من وَجَل : سبق إلى خير الأعمال خوفاً من لقاء الأهوال.
أكمش : أسرع ; والمراد : جدّ السَيْر في مهلة الحياة.
قُدُماً : المضي إلى أمام ; أي : مضى مُتقدّماً.