وهذا نصّ طويل ، يحتاج إيراده كاملاً ، وتحليله مفصّلاً ، إلى بحث مسهب قائم بذاته.
أمّا القسم الآخر من المضامين المخصّصة لبيان وحدانيته تعالى فإنّها تأتي في سياق التذكير والتزهيد ، والحقّ أنّ هذا السياق الخطابي الأخير يستدعي توطئة تستميل القلوب ، وتصرف إليه الأذهان ; إذ أنّ تشديد الخطاب على وجوده الأوحد ، ووصف خلقه جلّ وعلا ، أمرٌ يجعل المتلقّي أكثر ثباتاً على الإيمان ، وأشـدّ تمسّكاً بالتقوى ، وأقرب إلى اعتناق ما يجهر به الخطيب ..
من ذلك : «الحمدُ للهِ المتجلّي لخَلقِهِ بَخَلْقِهِ ، والظاهر لقلوبهم بحجّته من غير رَوِيَّة ; إذ كانت الرويّاتُ لا تليقُ إلاّ بذوي الضمائرِ ، وليس بذي ضمير في نفسه. خَرَقَ عِلمُه باطنَ غَيْبِ السُتُراتِ ، وأحاطَ بغمُوضِ عقائدِ السريراتِ ...» (١) ..
وبعد هذا التقديم ، يتّجه النصّ إلى بثّ المضمون الزهديّ الواعظ :
«... أين تذهبُ بكم المذاهبُ ، وتتيهُ بكم الغياهبُ ، وتَخدعكُم
____________
للانفعال المخصوص الذي يعرض لها من المواد ، وهو ما يسمّى بـ : الإحساس ، فالمَشْعَر من حيث هو مَشْـعَر منفعل دائماً ، ولو كان له سبحانه مشعر لكان منفعلاً ، والمنفعلِ لا يكون فاعلاً. الصَرد : البرد.
أمّا قوله : «منذ القِدْمة» ، و «قد الأزليّة» ، و «لولا التكملة» ، فمعناه : أنّه يقال في كلّ «مخلوق» : «قد وجد» ، و : «وجد منذ كذا» ; وهذا مانع للقِدَم والأزليّة ، ويقال فيه كذلك : «لولا خالقه ما وجد» ; أي هو ناقص لذاته ، محتاج للتكملة بغيره.
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٧ / ١٨١ ..
المراد «بذوي الضمائر» : ذوو القلوب والحواس البدائية.
السُترات : جمع سـترة ، وهي : ما يُسْـتر به ، أيّاً كان.