أحدهما : إنّه أراد القرآن نفسه ; لأنّه قال تعالى : (والنجم إذا هوى) (١) ، قيل في التفسير : معناه : القرآن إذا نزل.
والوجه الثاني : إنّ الاجتهاد لمّا كان مصدره عن الوحي ـ لأنّ الله قد أمر به ، فدلّ عليه ـ جاز أن يقال : إنّ ما أدّاه إليه اجتهاد فهو عن وحي ; لأنّه قد أُوحي إليه باستعمال الاجتهاد ..
فإن قيل : لو جاز له الاجتهاد لَما توقّف في كثير ممّا يسأل عنه ينتظر الوحي.
قيل له : هذا لا يدلّ على ما ذكرت ; لأنّه جائز أن يكون توقّفه وانتظاره للوحي من جهة أنّه لم يتوجّه له فيه رأي ، ولا غلبة ظنّ في شيء بعينه ، فتوقّف فيه ينتظر الوحي.
ويجوز أن يكون قد كان يقوى طمعه في مثله : أن ينزل عليه فيه وحي فلم يعجل بالحكم فيه.
ويجوز أيضاً أن يكون قـد كان أُوحي إليه في ذلك شيء بعينه بأن لا يستعمل الاجتهاد إذا سـئل وينتظر الوحي (٢).
وقال في باب : القول في الاجتهاد بحضرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بأنّه : جائز في حالين ، وهما : عندما يبتدئهم بالمشاورة ، أو أن يجتهدوا بحضرته ، فيعرضوا عليه رأيهم وما يؤدّيهم إليه اجتهادهم مبتدئين ، فإن رضيه صحّ ، وإن ردّه بطل.
وغير جائز في حال إرادة الاستبداد بالاجتهاد لإمضاء حكم من غير أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّه لم يكن يأمن أن يكون هناك نصّ قد نزل ويمكن
____________
(١) سورة النجم ٥٣ : ١.
(٢) الفصول في الأُصول ـ للجصّاص ـ ٢ / ٩٣ ـ ٩٤.