فكلّ هذه من مراتب الكتاب وحقائقه ، وما في المصحف الشريف ليس إلاّ ظاهر تنزيله ، وظنّ هؤلاء أنّ الوحي النبوي بتأويل الكتاب وحقائقه هو عبر حجاب الدلالة واللفظ.
ثمّ إنّ إحاطة العلم النبوي بجميع الألفاظ والتراكيب وطرق دلالتها يختلف عن درك الفقهاء والمجتهدين ; فإنّ درك الفقهاء والمتجهدين خاضع لحافظتهم ونباهتهم في استقصاء الآيات ، والتنبّه لمناسباتها مع المطلوب ، ثمّ التناسب بين دلالتها ، وكلّ ذلك خاضع إلى قدرة محدودة وفراسة محددة ، فمن ثمّ تكون النتائج ظنّية ، ويأتي اللاحق ويكشف خطأ السابق ..
ونظير ذلك : ما في علم الرياضيات ; فبما أنّ قدرة المختصّ الخبير بمعادلات ونظريات وقواعد ذلك العلم تظلّ محدودة ، فإنّ قدراتهم على حلّ المجهولات تبقى محدودة أيضاً ، وكم من مجهول لم يتمكّنوا من الوصول إليه بسبب عدم انبساط قدرتهم في استقصاء القواعد ، واستحضارها بمناسباتها وتناسباتها ، وترتيب ائتلافها للوصول للنتيجة؟!
وهـذا بخـلاف العلم الوحيانـي ; فإنّـه يحيط بكلّ ذلك ، وبكلّ تناسبات التراكيب ، ومعادلات الصياغات للدلالات ، وإلى ما لا يحصيه إلاّ الباري تعالى من الوجوه والفروض ، فيطلعه بالتسديد والإلهام الوحياني إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه الوارثين لدنّياً علمه.
تعدّد الحُكم عند أصحاب الوحي :
تاسعاً : ما استدلّوا به من قصّة داود وسليمان (عليهما السلام) ; إذ قال تعالى : (ففهّمْناها سليمانَ وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) ; فاستظهروا أنّ حكمهما