الشيخين في مسألة : هل أن كل الذين رأوا النبي محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحبوه عدول ، أم أنّ الصحبة بالمعنى الحقيقي هي الناتجة عن إتباع بإحسان بحيث يصدق عليهم أن الله سبحانه رضي عنهم ورضوا عنه؟
اختار العامة (١) الأول ، والخاصة الثاني. وبالغ العامة في تعديلهم لكل الصحابة ، فقال ابن الأثير في مقدمته لكتاب أسد الغابة ص ١١٠ :
«ولأنّ السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين ، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها ، وأولهم والمقدّم عليهم أصحاب رسول الله ، فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشدّ جهلا وأعظم إنكارا ، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيرهم من الرواة ، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم ، وتقوم به الحجة ، فإن المجهول لا تصح روايته ، ولا ينبغي العمل بما رواه ، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلّا في الجرح والتعديل ، فإنهم كلّهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح لأن الله عزوجل ورسوله زكياهم وعدّلاهم ..».
وقال النّوري :
«الصحابة كلّهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به» (٢).
وقال الخطيب البغدادي في «الكفاية» ص ٤٦ مبوبا على عدالتهم :
«ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبيّ لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره
__________________
(١) مصطلح «العامة والخاصة» يقصد به السنّة والشيعة لأن الشيعة الإمامية هي الفرقة الوحيدة التي تقف بوجه الحملات المستعرة من قبل بقية الفرق الأشعرية.
(٢) المنهج الحديث في علوم الحديث ص ٦٣ نقلا عن السنة قبل التدوين.