والسؤال الذي يطرح نفسه ويثير انتباه الكثيرين : لما ذا عيّن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أسامة بن زيد قائدا على جيش كبير يريد غزو جيش الامبراطورية الرومية القابع في مستعمرات قرى البلقاء والداروم من أرض فلسطين (١) يوم ذاك ، في حين وجود شخصيات من أكابر الصحابة أكبر منه سنا؟!
والجواب من وجوه :
أولا : أراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من فعله الحكيم ذاك أن يهيئ المسلمين لقبول قاعدة «الجدارة والكفاءة» في ولاية أمورهم من الناحية العملية ، فليس الجاه والشهرة أو المال أو النسب أو تقدّم العمر هو الأساس لاستحقاق الإمارة والولاية ، لذا عبّر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أسامة أنه كان جديرا بالإمارة كما كان أبوه من قبل.
ثانيا : لكي يترسخ في أذهان المسلمين أن صغر السنّ ليس عائقا ولا شرطا لقيادة الجيوش والمجتمعات ، فإذا جاز لأسامة بن زيد قيادة جيش إسلامي كبير ينضوي تحته مشايخ كبار ، فبطريق أولى جاز لعليّ أمير المؤمنين عليهالسلام أن يتولى الخلافة وهو لا يتجاوز الثلاثين من عمره.
ثالثا : أراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك أن يقيم الحجة للناس أن من لم يكن جديرا لقيادة جيش فكيف يكون جديرا لقيادة مجتمع بكامله وهي ولاية أمور جميع المسلمين قاطبة؟!!
وبالجملة فما ادّعاه محبو الشيخين من أنّ القوم إنما تخلّفوا عن جيش أسامة لصغر سنّه ، ليس سببا كاملا أو حقيقيا لتخلفهم ، وإنما لأجل أن يبقوا بجانب النبي ليتمّ ما اتفقوا عليه سابقا ، وإلا لو كان صغر السنّ سببا وافيا لما تنفّذ البعث بعد أن تم أمر الخلافة ، وحسب رواية ابن الأثير في تاريخه ج ٢ / ٣٣٤ أن عمر بن الخطاب كان في جيش أسامة بالجرف ، فطلب أسامة من أبي بكر أن يستعفي ابن الخطاب من الخدمة العسكرية فأعفاه.
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٢٩.