ومما يدعو للاستغراب ما ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم حيث (جعل اعتراض عمر على رسول الله واتّهامه إياه بالهجر من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه ـ بحسب نظر النووي ـ خشي أن يكتب صلىاللهعليهوآلهوسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقّوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، فعلم أنّ الله أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله فكان عمر أفقه من ابن عبّاس وموافقيه) (١).
يرد عليه :
أنّ هذا الكلام مخالف لصريح العقل والنقل ، وما هو إلّا شنشنة (٢) بغض لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وموافقيه ، وهل من الفقه أن ينسب عمر إلى رسول الله محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم الهذيان والخبل ، مع أنّ الله اصطفاه وطهّره من كل نقص ورذيلة ، أو ليس الهذيان والهجر من علائم النقص في شخصية النبي الذي لا يتحرّك إلّا بوحي من الله؟!
وهل كان عمر ـ حسب هذا الكلام ـ أفقه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يكون حريصا على أمة محمد من نفس نبيّ الرحمة محمّد بن عبد الله؟!!
هذا مضافا إلى أنّ عدم كتابتهم للكتاب من أجل عجزهم عن تحقيق مضمونه خوف استحقاق العقاب لأنها منصوصة ، هذا الكلام دونه خرط القتاد ، وخلاف ظواهر لغة العرب ؛ أليس أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من المنصوص الذي لا مجال للاجتهاد فيه؟! وأيّ ترفيه على رسول الله وقد زجرهم وامتعض منهم حتى قال لهم : دعوني.
فهل هناك أبلغ للقوم من هذا التصريح ، ولو كان ما يقوله صحيحا لشكره
__________________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١١ / ٧٦ ، كتاب الوصية.
(٢) الشنشنة : السجية أو الطبيعة.