دور عثمان فقام بتوحيد المصاحف ـ حسبما يقولون ـ لكثرة انتشار القراءات ، فأرسل نسخة موحّدة إلى أطراف البلاد ، وحمل الناس على قراءتها وترك ما سواها.
فالقرآن جمع مرتان :
الأولى : على عهد أبي بكر كما قلنا ، وأشارت إليه روايات أكثرها من مصادر العامة ، ولكن أقصى ما تدل عليه هذه المرويات هو مجرد جمعهم لما نزل من السور والآيات لشتات السور المكتوبة في الرقاع والألواح.
والسبب الذي استدعى أبو بكر ـ بإيحاء من عمر بن الخطّاب ـ للقيام بمهمة جمع القرآن هو رفضهم القاسي لمصحف الإمام علي عليهالسلام الذي قام بجمعه بوصية من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ كيف يصح أن يبقى مفرقا على العسب واللخاف (١) أو في صدور الرجال ، وهو المرجع الأول لأسس التشريع الإسلامي ، والأساس الركين لبناء صرح الحياة الاجتماعية في كافة شئونها ، ولم يكن جمعهم للقرآن بريئا كما تنص بعض آحاد الأخبار أن عمر بن الخطاب خشي أن يستحرّ القتل بالقرّاء في كل المواطن كما استحرّ بهم يوم القيامة ، وإنما كان جمعهم لغاية في نفوسهم قضوها ، وإلا فما معنى ردهم لمصحف أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام واستنكارهم عليه وإبعاده عن الساحة ، هذا مضافا إلى أن اختيارهم لزيد بن ثابت كان في محله لأن الرجل المذكور من دعاة القوم ورجالات سلطتهم ، ويشهد له ما ذكره نص البخاري ج ٦ ص ٤١٥ ح ٤٩٨٦.
«... قال أبو بكر لزيد : إنّك رجل شاب عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ..».
كان الرجل ذا نزعة متلائمة مع أهداف السلطة آنذاك ، وقد أبدى ذلك يوم السقيفة ، حيث وقف موقف المدافع الحاد دون المهاجرين وهو أنصاري قائلا :
__________________
(١) العسب : جرائد النخل ، واللخاف : حجارة بيض عريضة رقيقة ، ويستحرّ : يشتدّ.