ولا يخفى على الفطن : أن تثاقلهم عن السير وتخلفهم عن الجيش ليحكموا قواعد سياستهم في سقيفة بني ساعدة ترجيحا منهم لذلك على التعبد بالنصّ النبوي ، ولو ذهبوا مع أسامة لكان فاتهم ما كانوا يرومونه من الطمع بالخلافة ، لذا تخلفوا حتى مات النبيّ ، فهمّوا بإلغاء البعث وحلّ اللواء تارة ، وبعزل أسامة أخرى.
فإذا كان حال القوم مع نبيهم حال حياته من العصيان وعدم الاحترام وقلة الإيمان ، فكيف بهم بعد موته مع بضعته الطاهرة وزوجها علي أمير المؤمنين الذي يدور الحق معه حيثما دار؟! وهل يمكن أن نحسن بهؤلاء الأوباش الظن بحجة أن القوم من الصحابة ، أو ليس الإمام عليّ والصدّيقة الزهراء من الصحابة؟ فترجيح أبي بكر وعمر على الإمام عليّ وزوجه فاطمة عليهاالسلام يعتبر ترجيحا من دون مرجح في حال مساواتهم مع بعض في الفضائل ، مع أن الإمام وزوجه لا يساويهما أحد من الناس ، فتقديم غيرهم عليهما يعتبر قبيحا عقلا ونقلا لا يفعله العقلاء.
الطعن الخامس :
جهله بالأحكام الشرعية ، فكيف يكون خليفة لرسول الله وهو لا يدري الكثير من الحلال والحرام ، لذا لما سئل عن الكلالة (١) قال : «أقول فيها برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني» (٢).
ولم يعرف ميراث الجدّة ، فقال لجدة سألته عن إرثها : لا أجد لك شيئا في كتاب الله وسنة نبيه ، فأخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة أنّ الرسول أعطاها السدس ، وقال : اطعموا الجدات السدس (٣).
__________________
(١) الواردة في سورة النساء : ١٢ و ١٧٦ ، والكلالة : الميت لا ولد له ولا والد بل له إخوة وأخوات ، وسائل الشيعة ج ١٧ / ٤٨١ ومجمع البيان سورة النساء.
(٢) البحار ج ٣١ / ٦ نقلا عن شرح النهج ١٧ / ٢٠٢.
(٣) سنن أبي داود ج ٣ / ١٦٧.