هذا مضافا إلى أن أبا بكر نفسه تندّم وهو على فراش الموت من فعلته النكراء مما يجعل المسألة في عداد المحرمات القطعية التي ارتكبها أبو بكر ، والندم عليها في آخر حياته لا يستلزم صلاح خلافته لأن المورد ليس كعقد الفضولي حتى يقع صحيحا بعد تعقّبه بالإجازة على نحو الشرط المتأخر.
فكان على أبي بكر أن لا يحرق الفجاءة لكونه متظاهرا بالإسلام وتلقاه الخليفة المذكور بالقبول يوم أعطاه ظهرا وسلّحه ، وإن كان فاسقا بالجوارح بحسب دعوى أبي بكر ، فالواجب عليه أن يتأوّل له كما تأوّل لخالد بن الوليد وتلقيبه له بسيف الله المسلول.
وقد دافع القاضي عضد الإيجي عن أبي بكر في المواقف من أن أبا بكر مجتهد وما إحراقه للفجاءة سوى اجتهادا ، وكذا جرى مجراه القوشجي في شرح التجريد ص ٤٨٢ حيث قال : إن إحراقه فجاءة بالنار من غلطة في اجتهاده فكم مثله للمجتهدين. أقول :
أولا : إن هذا الاجتهاد مرفوض لكونه في مقابل نص الكتاب والسنّة وإلا فإنه سيعطي المبرر للظالمين والسفاكين بإراقة الدماء تحت عنوان الاجتهاد ، وعلى هذا الأساس يكون ما ارتكبه بنو أمية وبنو العبّاس اجتهادا جائزا بحسب هذه الدعوى ، وبالتالي فكلهم إلى الجنّة لأنهم معذورون باجتهادهم بقتل الأبرياء وانتهاك الأعراض وسرقة الأموال.
ثانيا : يفرض على الخليفة أن يكون صبورا متأنيا لا عجولا متسرعا ، كما لا بدّ له أن يكون محتاطا بأقواله وأفعاله حتى لا يقع فريسة الحواشي والغواشي فتنتفي الحكمة من نصبه ووجوده.
الطعن السادس :
إقدام خالد على قتل مالك بن نويرة بأمره وزنى بامرأته من ليلته. فإن الاعتداء على الأعراض وسفك الدماء كانا من مهام الخليفة أبي بكر ، فها هم