فلو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وطالبته بالخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء ، لأنه يكون قد سجّل على نفسه أنها صادقة فيما تدّعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود.
هذا مضافا إلى أنّ منعهما السيّدة الزّهراء عليهاالسلام من فدك ليس [إلّا أن لا يتقوّى الإمام عليّ عليهالسلام بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة ، ولهذا اتبعا ذلك بمنع سيدة النساء عليهاالسلام وزوجها أمير المؤمنين وسائر بني هاشم وبني المطلب حقّهم في الخمس ، فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همته ويتصاغر عند نفسه ، ويكون مشغولا بالاحتراس والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة ، فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء ، وهو داء لا دواء له ، وما أكثر ما تزول الأخلاق والشّيم ، فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها] (١).
هذا مضافا إلى أنّ سيّدة النساء أرادت أن تسجّل اعتراضا على الظالمين حتى لا يكون السكون سبة إلى يوم القيامة ، مع تسجيل مظلوميتها في سجل التاريخ وكشف الغطاء عن نوايا القوم وأفعالهم ، من هذا المنطلق ذهبت سيدة النساء وبضعة أبيها إلى المسجد النبوي لتأكد الحجة ، فخطبت تلك الخطبة القاصعة التي قصمت ظهور القوم إلى يوم القيامة.
وها نتشرف بعرضها على القارئ الكريم ليرى بلاغة مولاتنا الزهراء روحي فداها ومدى مظلوميتها لدى بعض الصحابة الذين اتخذوا من الصحبة غطاء يمررون مشاريعهم من خلاله.
وهذه الخطبة العصماء التي ارتجلتها العالمة غير المعلّمة في حشد من المهاجرين والأنصار بعد أن ضرب بينها وبينهم ملاءة ، فكان وقعها أشدّ من الحسام المهند على نفوس السامعين إلّا نفر ضئيل لا يفقه شيئا قد غلّف الرين قلبه ، فغدا حجرا صلدا بل أشد ، وسأوردها بأسانيدها المعتبرة.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج ١٦ / ٣٦٣.