وتأجّج فيهم شعلة الإيمان واليقين بالعترة الطاهرة ، فكان خطابها كخطاب القرآن الكريم لرسول الله من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة).
وبالجملة فإن الخطبة الشريفة قصمت ظهور القوم وبدّدت أحلامهم ، فكان من أبي بكر أن تجرأ على الصدّيقة الطاهرة بكلام ينمّ عن عدم اعتقاد بما نزل بحقها من قرآن ، ولا بما كان يكنّه النبيّ لها من احترام.
فكان ردّه عليها لاذعا قال ـ حسبما ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ـ :
أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قالة! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله؟ ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنما هو ثعالة شهيدة ذنبه ، مربّ (١) لكل فتنة ، هو الذي يقول : كرّوها جذعة (٢) بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء ، كأم طحال أحبّ أهلها إليها البغي!! ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لبحت ، إني ساكت ما تركت.
ثم التفت إلى الأنصار ، فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحقّ من لزم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل ، فانصرفت «الصدّيقة» فاطمة عليهاالسلام إلى منزلها.
ثم قال ابن أبي الحديد : قلت للنقيب أبي يحيى بن أبي زيد البصري : بمن يعرّض؟
فقال : بل يصرّح ، قلت : لو صرّح لم أسألك.
فضحك ، وقال : بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله؟
__________________
(١) مرب : ملازم.
(٢) الجذعة : الصغير من الغنم وهنا كناية عن الفتنة.