لقد أشارت سيّدة الطهر عليهاالسلام على أبي بكر أن معنى قوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) هو إرث المال ، وهكذا فهم أبو بكر وجميع المسلمين آنذاك وهم يستمعون إلى خطبة الصدّيقة الشريفة فاطمة عليهاالسلام ، ومعنى ذلك أن سليمان ورث أموال أبيه داود ، ولم يفهموا غير هذا ، وهذا الكلام له دلالاته في اللغة العربية ، إذ إن كلمة «إرث» عند ما تطلق يتبادر منها معناها الحقيقي ، إلّا إذا جاءت قرينة صارفة عن معناها الحقيقي إلى آخر مجازي.
فحينما طلب زكريا من الله عزوجل أن يرزقه غلاما يرثه بالمال حرصا من أن يرثه الفسّاق من أقاربه ، وليس المراد من الإرث وراثة العلم لأن الله قادر أن يهب العلم ليحيى من دون استعانة بزكريا أو بآل يعقوب (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) فزكريا لم يطلب من الله أن يرزقه ولدا يرث العلم من آل يعقوب بل أراد إرث المال.
قد يقال : إن زكريا أراد إرث النبوة بمعنى أن يرثه بالنبوة.
قلنا : إن النبوة لا تورّث ، فمن كان قادرا على إيهاب النبوة على زكريا قادر على إيهابها من دون تعلّم أو تعليم.
ودعوى أن سليمان ورث داود بالعلم لا بالمال ، وكذا يحيى ورث زكريا بالعلم لا المال مردودة بما يلي :
أولا : إن لفظ الإرث والميراث يستعمل شرعا وعرفا ولغة في المال ، فإذا قلنا : إن زيدا ورث عمروا ، فالظاهر منه أنه ورثه بالمال ، لا أنه وارثه في العلم أو المعرفة ، إلّا إذا كانت هناك قرينة كما قلنا آنفا تدل على إرث العلم والمعرفة كقوله تعالى :
(وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) (١).
__________________
(١) سورة غافر : ٥٣.