عليهما والمطالبين لهما دليل على صدق دعواهم ، أو استحسان مقالتهم ، ولا سيّما وقد طالت المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة وظهرت الحسيكة واشتدت الموجدة ، وبلغ ذلك من فاطمة عليهاالسلام أنها أوصت ألّا يصلّي عليها أبو بكر ، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة بحقها ومحتجة لرهطها : من يرثك إذا متّ يا أبا بكر؟ قال : أهلي وولدي ، قالت : فما بالنا لا نرث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فلما منعها ميراثها وبخسها حقها ، واعتل عليها ، وجنح في أمرها ، وعاينت الهضم وأيست من النزوع ووجدت مس الضعف وقلة الناصر ، قالت : والله لأدعونّ الله عليك.
فإن يكن ترك النكير منهم على أبي بكر دليلا على صواب منعها ، إنّ في ترك النكير على سيّدة النساء فاطمة عليهاالسلام دليلا على صواب طلبها ، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت ، وتذكيرها ما نسيت ، وصرفها عن الخطأ ـ حاشاها من كل ذلك ـ ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجرا أو تجور عادلا وتقطع واصلا ، فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا ، فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب ، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم وأوجب علينا وعليكم] (١).
الشبهة الثالثة :
كيف يظن بأبي بكر أنه ظلم السيّدة فاطمة عليهاالسلام وتعدى عليها ، في حين كلما ازدادتعليهاالسلام عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة ، حيث تقول : «والله لا أكلمك أبدا» فيقول : «والله لا أهجرك أبدا» ، ثم تقول : «والله لأدعونّ الله عليك» فيقول : والله لأدعونّ الله لك» ثم يتحمل منها هذا القول الغليظ والكلام الشديد في دار الخلافة ، وبحضرة قريش والصحابة ، ما حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه وما يجب لها من الرفعة والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك من أن يعتذر إليها متحننا عليها بقوله : ما أحد أعزّ عليّ منك فقرا ولا أحب إليّ منك غنى (٢).
__________________
(١) تلخيص الشافي ج ٣ / ١٥١ نقلا عن العثمانية للجاحظ ، بشيء من التصرف.
(٢) نفس المصدر.