وقد روى خبر الهجر مسلم في صحيحه بثلاثة طرق ، باب : ترك الوصية.
وقد ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم كلاما ليس لله فيه رضى ، نعرضه على القارئ الكريم ليكون على إلمامة بما يلبّسه القوم من حقائق ، من أجل رفعة الشيخين ، حتى لو أدى هذا الرفع إلى توهين مقام رسول الله الشاهد على الأمة ، والذي كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، قال :
«حين اشتدّ وجعه ـ أي النبيّ ـ قال : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، فقالوا : إن رسول الله يهجر ، وفي رواية قال عمر بن الخطّاب : إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، ثم ذكر أن بعضهم أراد الكتاب وبعضهم وافق عمر وأنه لمّا أكثروا اللغو والاختلاف ، قال النبيّ : «قوموا». اعلم أن النبيّ معصوم من الكذب ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه ، ومعصوم من ترك بيان ما ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه وليس معصوما من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته ، وقد سحر (صلى الله عليه (١)) حتى صار يخيّل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ولم يصدر منه (صلى الله عليه) وفي هذا الحال كلام من الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها ، فإذا علمت ما ذكرناه ، فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي همّ النبيّ به ، فقيل : أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معيّن لئلا يقع نزاع وفتن ، وقيل : أراد كتابا يبيّن فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه ، وكان النبيّ همّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول ، وأما كلام عمر فقد اتفق العلماء المتكلمون في
__________________
(١) قال النبيّ كما ورد في مصادر العامة : لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء ، قيل : وما البتراء؟ قال : تقولون : اللهم صل على محمد وتمسكون ، بل قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ / ٢٢٣ نقلا عن الصواعق المحرقة ص ٨٧.