شبهات وردود
الشبهة الأولى :
المراد من الهجر هو الإنكار على من قال : [لا تكتبوا أي لا تتركوا أمر رسول الله وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه .. وكذا قول عمر «رض» : حسبنا كتاب الله رد على من نازعه لا على أمر النبيّ صلّى الله عليه] (١).
أو يحمل قول عمر بن الخطاب «اهجر» «أيهجر» على الدهشة والحيرة لعظم ما شاهد من حال الرسول وشدة وجعه ، فأجري الهجر مجرى شدة الوجع ، لا أنه اعتقد جواز الهجر عليه بمعنى الهذيان أو الغلط. أورد هذه الشبهة العيّاض المالكي في كتابه الشفاء.
والجواب :
أولا : ما تأوّله القاضي عيّاض ليس إلّا تمحّلا واضحا بحاجة إلى قرينة صارفة وهي مفقودة هنا ، بل دلت القرائن الخارجية على أن عمر هو القائل لا غيره ، منها تخلّفهم عن جيش أسامة وقد لعنهم الرسول بسبب ذلك ، ومنها ظلمهم للصدّيقة الطاهرة من أجل الاستيلاء على الخلافة ، كل ذلك يشير إلى أن القائل هو عمر ، ولو كان سواه لوجب على عمر أن يلبّي أمر رسول الله بإحضار الدواة والكتف ليكتب النبيّ ما أراده ، فعدم إحضاره للدواة أو عدم استنكاره ـ على أقل تقدير ـ على من حال بين النبيّ وبين كتابة الكتاب يستلزم القول بتفرده بتلك المقالة القبيحة تشكيكا برسول الله وبما سيئول إليه الكتاب ، ولو لم يكن هو القائل ـ أي عمر ـ لكان أحضر الكتاب ليفضح من استنكر على رسول الله أمره بإحضار الدواة.
ثانيا : سواء حملنا «الهجر» على الدهشة والحيرة من قائله أو على نحو الاستفهام فإن المعنى واحد وهو نسبة الهذيان ، وقد اعترف بذلك ابن حجر مع
__________________
(١) شرح النّووي على صحيح مسلم ج ١١ / ٧٨.