أو أنه قد غلبه الوجع ، وظاهر هذا الكلام عدم ارتباطه بمفهوم الإباحة أو الندب ، ويؤيده قول ابن عبّاس مع اعتراف الجمهور له بجودة الفهم وإصابة النظر : إن الرّزيّة كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين الكتابة.
وهل يسمّى فوت أمر مباح أو مندوب رزية كلّ الرزيّة ، ويبكي عليه حتى بلّ دمعه الحصى ، ولا ينكر من له أدنى ألفة بكلام العرب ، أنهم يكتفون في فهم المعاني المجازية ونفي المعاني الحقيقية بقرائن أخفى من هذا ، فكيف بالمعنى الحقيقي إذا اقترن بمثل تلك القرينة؟!
على أن اشتغال الرسول [في حال المرض وشدة الوجع ودنو الرحيل ، وفراق الأمة التي بعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا لهم] بكتابة ما كان نسبة الخير والشر إليه على حد سواء حتى يكون ردّه وقبوله مفوّضا إليهم وراجعا إلى اختيارهم ، مما لا يقول به إلّا من بلغ الغاية في السفه.
وإن كان على وجه الندب فظاهر أن ردّ ما استحسنه الرسول وحكم به ولو على وجه الندب ، وظنّ أن الصواب في خلافه وعدّه من الهذيان ، تقبيح قبيح لرأي من لا ينطق عن الهوى ، وتجهيل وتضليل لمن لا يضلّ ولا يغوى ، وليس كلامه إلا وحيا يوحى ، وهو في معنى الردّ على الله سبحانه ، وعلى حدّ الشرك بالله ، ولعلّ المجوّزين للاجتهاد في مقابل النص ولو على وجه الاستحباب لا يقولون بجواز الردّ عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذا الوجه المشتمل على إساءة الأدب وتسفيه الرأي.
الشهبة الثالثة :
لو سلّمنا أن أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بإحضار ما طلب كان على وجه الإيجاب والإلزام للخوف ـ لو ترك الكتابة ـ من ترتب مفسدة عظيمة هي ضلال الأمة ، فكيف تركها رسول الله ولم يصر على الطلب؟ أليس هذا تقصيرا في هداية الأمة واللطف بها؟!
والجواب :
١ ـ كيف يصرّ على الطلب وقد تنازعوا عنده صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى قال : «قوموا عني» ،