الطب بين أظهرنا ، مع أن الكتب الطبية أشمل للفروع من الكتاب الكريم لتفاصيل الأحكام الشرعية.
هذا مضافا إلى أن الكتاب دعا لإطاعة رسول الله (١) والأخذ منه (٢) ، ولم تقيّد إطاعته أو الأخذ منه في حال الصحة دون المرض ، فيبقى الإطلاق منعقدا في الظهور عرفا وعقلا وشرعا ، فما فعله عمر من المنع عن كتابة ما يمنع عن الضلال عين الضلال والإضلال ، وكثرة الخلاف بين الأمة ، وتشتت طرقها مع وجود كتاب الله بينهم دليل قاطع على عدم رفع الاختلاف (٣).
الشبهة الخامسة :
أن عمر أشفق على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من تحمل مشقة الكتابة مع شدة الوجع.
يرد عليه :
إن رسول الله لم تجر عادته في أيام صحته بأن يكتب الكتاب بيده ، وإنما كان يملي على الكاتب ما يريد ، إما لكونه أميا لا يقرأ ولا يكتب ـ حسبما يميل إلى هذا الرأي جمهور العامة ـ أو لكونه لا يتعاطى القراءة والكتابة ، ـ وهو الحق عندي ـ ولم يكن ذلك مستورا على عمر ، فكيف أشفق عليه من الكتابة؟
وأمّا الإملاء فمن أين علم أنه لا يمكن للرسول التعبير عمّا يريد بلفظ مختصر ، وعبارة وجيزة لم يكن في إلقائها إلى الكاتب مشقة لا يقدر على تحمّلها ، على أن تحمّله صلىاللهعليهوآلهوسلم للمشاق في هداية الأمة لم تكن هذه الكتابة مبدأه ، فكيف لم يشفق عمر في شيء من المواضع إلّا فيما فهم أن المراد تأكيد النص في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام؟
__________________
(١) كآية إطاعة الرسول وأولي الأمر.
(٢) كقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر : ٧.
(٣) جرت محاورة بين هشام بن الحكم أحد أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام مع رجل شامي ، وقد بيّن فيها هشام عدم كفاية الكتاب وحده لرفع الاختلاف ، راجع أصول الكافي ج ١ / ١٧١ ح ٤ والاحتجاج للطبرسي ج ٢ / ١٢٢.