ولا ريب أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أشفق على نفسه وأعلم بحاله من عمر بن الخطاب ، فبرودة مثل هذا الاعتذار مما لا يرتاب فيه ذو فطنة ، ورب عذر أقبح من ذنب ، وهنا موضعه.
وأما اشتداد الوجع فإنما استند إليه عمر لإثبات أن كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس مما يجب الإصغاء إليه ، لكونه ناشئا من اختلال العقل لغلبة الوجع وشدة المرض ، وهذا الاختلال نوع جنون ، وقد نزهه سبحانه عنه ، كما أنه تعالى كشف حقيقة بعض الأصحاب الذين نعتوه بالهذيان بقوله تعالى:
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (١).
(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٢).
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٣).
إن قيل : إن قول عمر «حسبنا كتاب الله» ردّ على من نازعه ، لا على أمر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم.
قلنا : إن هذا ظاهر الفساد ، وذلك لأن الرواية التي رواها البخاري في باب كتابة العلم صريحة في أنه ردّ على قول النبيّ ، وأنّ الاختلاف من الحاضرين إنما وقع بعد قوله ذلك ، وكذلك روايته في باب قول المريض : قوموا عنّي. هذا مضافا إلى ما أوردناه سابقا على هذه الشبهة فليراجع.
__________________
(١) سورة سبأ : ٤٦.
(٢) سورة النجم : ١ ـ ٥.
(٣) سورة التكوير : ١٩ ـ ٢٢.