الشبهة السادسة :
إن كلمة «الهجر» التي تلفّظها عمر لم يقصد بها ظاهرها ، ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزية ولم يتحفظ منها ، وقد تبنّى هذه الشبهة ابن أبي الحديد (١) ؛ فقال : وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة ، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد ، ويتوهّم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده ، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ، ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ولم يتحفّظ منها ، وكان الأحسن أن يقول : «مغمور» أو «مغلوب بالمرض» وحاشاه أن يعني بها غير ذلك! ولجفاة الأعراب من هذا الفنّ كثير ، ثم قال :
وعلى نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ألم تقل لنا : ستدخلونها ـ أي مكة ـ في ألفاظ نكرة حكايتها ، حتى شكاه النبيّ إلى أبي بكر ، وحتى قال له أبو بكر : الزم بغرزه (٢) ، فو الله إنه لرسول الله.
ويرد عليه :
أولا : أنه لا وجه لحمل الكلام على المحامل البعيدة وإخراجه عن ظاهره من غير دليل ، وظاهر الكلام تقبيح لرأي رسول الله وردّ لقوله على أقبح وجه ، ولم يقم برهان على عدم جواز الخطأ والارتداد على عمر بن الخطّاب حتى يؤوّل ابن أبي الحديد كلامه بالتأويلات البعيدة ، وما رووه في فضله من الأخبار فمع أنها من موضوعاتهم ، لا حجة فيها على الخصم لتفرّدهم بروايتها ، فأكثرها لا دلالة فيها على ما يجديهم في هذا المقام.
والعجب أنّهم يثبتون أنواع الخطايا والذنوب للأنبياء عليهمالسلام لظواهر الآيات الواردة فيهم ، وينكرون علينا حملها على ترك الأولى وغيره من الوجوه ، مع قيام
__________________
(١) شرح النهج ج ١ / ١٤٢ ، ط / الأعلمي.
(٢) أي اتبع قوله.