ووافقه على ذلك أبو مسلم الأصفهاني حسبما نقل عنه الخضري في كتابه أصول الفقه فقال :
«إن خلاف أبي مسلم إنما هو في نسخ نصوص القرآن ، فهو يرى أن القرآن كله محكم لا تبديل لكلمات الله» (١).
يرد عليه :
أولا : لا قيمة لكلام المذكور بعد تصريح القرآن بإمكان النسخ في آياته بقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٢).
ثانيا : أن النسخ المدّعى هنا ليس تبديلا لكلمات الله ، وإنما هو شرح للمراد منها وتقييد أو تخصيص لظهوراتها (٣) ، أو نقول إن الناسخ ظرفه متأخر ، وملاكه مصلحة أخرى ، تبدلت عن مصلحة سابقة كانت مستدعية لذلك الحكم المنسوخ (٤).
ثالثا : دعواه أن القرآن كله محكم يكذّبه القرآن نفسه بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٥).
وبالجملة : فإن الذين قالوا بنسخها هي عندهم محرّمة ، ومن لم يعتقد بذلك هي عنده حلال حيث لم يثبت تحريمها أو نسخها ، وقد مال إلى هذا مالك حسبما نسب إليه ذلك شيخ الإسلام المرغيناني مستدلا عليه بقوله : «لأنه ـ أي نكاح المتعة ـ كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه» (٦).
__________________
(١) الأصول العامة للفقه المقارن : محمد تقي الحكيم ص ٢٤٦ نقلا عن أصول الفقه ص ٢٤٦ للخضري.
(٢) سورة البقرة : ١٠٦.
(٣) الأصول العامة للفقه المقارن ص ٢٤٦.
(٤) التمهيد في علوم القرآن ج ٢ / ٢٩٢.
(٥) سورة آل عمران : ٧.
(٦) البيان في تفسير القرآن للخوئي ص ٣١٤ نقلا عن الهداية في شرح البداية ص ٢٨ ، ط / بولاق مع فتح القدير.