رسول الله يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكرهم ثم قال : أما بعد ألا أيّها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي».
وقد روي متواترا من الطريقين قوله للإمام عليّ عليهماالسلام : ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : عليّ ولي كل مؤمن من بعدي.
وقد روي في المفتريات : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.
وقد كان كثير مما خطب به صلىاللهعليهوآلهوسلم على رءوس الأشهاد ، فهل يجوّز عاقل أن لا يقرع شيء من ذلك سمع عمر مع شدة ملازمته للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومن شك في مثل ذلك هل يجوّز من شم رائحة من العقل أن يفوّض إليه أمر بهيمة ، فضلا أن يفوّض إليه أمر جميع المسلمين ، ويرجع إليه في جميع أحكام الدين.
وأمّا اعتذار ابن أبي الحديد بأنّه لم ينكر عمر ذلك على وجه الاعتقاد ، بل على الاستصلاح ، وللخوف من ثوران الفتنة قبل مجيء أبي بكر ، فلما جاء أبو بكر قوي به جأشه ، فسكت عن هذه الدعوى ، لأنه قد أمن بحضوره من خطب يحدث ، أو فساد يتجدّد.
فيرد عليه أوّلا : أنه لو كان إنكاره ذلك إيقاعا للشبهة في قلوب الناس حتى يحضر أبو بكر ، لسكت عن دعواه عند حضوره ، وقد روى ابن الأثير في الكامل : إنّ أبا بكر أمره بالسكوت فأبى ، وأقبل أبو بكر على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا إليه وتركوا عمر (١).
__________________
(١) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٢١٩.