وثانيا : أنّه لو كان الأمر كما ذكر ، لاقتصر على إنكار واحد بعد حضور أبي بكر ، وقد اعترف ابن أبي الحديد بتكرّر الإنكار بعد الحضور أيضا.
وثالثا : قال ابن أبي الحديد : روى جميع أرباب السير أنّ رسول الله لما توفّي كان أبو بكر في منزله بالسنح ، فقام عمر بن الخطاب فقال : ما مات رسول الله ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كلّه ، وليرجعنّ فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته ، ولا أسمع رجلا يقول مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله وقال : بأبي وأمّي طبت حيّا وميّتا ، والله لا يذيقك الله الموتتين أبدا. ثم خرج والناس حول عمر ، وهو يقول لهم : إنّه لم يمت ويحلف ، فقال له: أيّها الحالف! على رسلك ثم قال : من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١) ، وقال : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (٢) ، قال عمر : فو الله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض ، وقد علمت أن رسول الله قد مات (٣).
المحمل الثاني : ما حكاه الفضل بن روزبهان الأشعري عن بعضهم :
إن ما صدر من عمر يوم ذاك كان من شدة المصيبة وغلبة المحبة ، فلم يأذن له قلبه أن يحكم بموت النبيّ ، وهذا أمر كان قد عمّ جميع المؤمنين بعد النبيّ ، حتى جنّ بعضهم ، وأغمي على بعضهم من كثرة الهم ، فغلب عمر شدة حال المصيبة ، فخرج من حال العلم والمعرفة وتكلم بعدم موته ، وأنّه ذهب إلى مناجاة ربه ، وأمثال هذا لا يكون طعنا (٤).
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٠.
(٢) سورة آل عمران : ١٤٤.
(٣) بحار الأنوار ج ٣١ / ١٠٧ ـ ١١٠.
(٤) بحار الأنوار ج ٣١ / ١١١ ودلائل الصدق ج ٣ / ٧٢.