المحمل الثالث :
إنّ ما ادعاه عمر كان لإظهار قوة الإسلام وشوكته على المنافقين ليرتدعوا عمّا كانوا يفكرون به من الاستيلاء على المدينة بعد موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخاف ـ أن لو اشتهر موتهصلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البيعة للخليفة ـ تشتت أمر الإسلام فابتدع هذه الكذبة دفعا للمحذور المتقدم.
يرد عليه :
أنه لو كان خائفا من تشتت أمر الإسلام واستيلاء المنافقين قبل البيعة فلم ترك مقالته لقول أبي بكر ، والحال أن البيعة لم تقع ، بل كان عليه أن يشير إلى أبي بكر بالسكوت ويعرّفه غرضه ويشتغلا بالبيعة ، وكيف يرتدع المنافقون الذين لم يؤمنوا بأصل نبوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمجرد قول عمر «ما مات ولكن ذهب إلى المناجاة» وهم يرونه بينهم ميتا ساكن الحركات ، بل يعدون هذا القول من عمر والنبيّ مسجى بينهم من الهذيان والخرافات ، هذا مضافا إلى أن العامة يرون أن الصحابة كلهم عدول وأن المنافق بينهم قليل مخفي الحال ، فكيف يستولي المنافقون أو يخاف منهم بأسرع وقت تشتت أمر الإسلام.
هذا الطعن المتوجه على عمر ، لا يسمّى في الحقيقة من ناحية جهله بموت النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم وإنما يعتبر طعنا من ناحية أخرى وهي تجاهله بموته صلىاللهعليهوآلهوسلم من باب المكر والكيد بالمسلمين لوصول أبي بكر إلى سدة الخلافة التي كان عمر بن الخطاب المهندس والمخطط لها.
فعمر الداهية لا تخفى عليه مسألة من أبده البديهيات ، كيف! وهو الذي ابتدع الشورى وكيفيتها لا يجهل جواز موت النبيّ الذي نعى نفسه الشريفة للمسلمين عامة وللصحابة خاصة مرارا ، ونطق الكتاب العزيز بموته ، وما تخلّف عمر عن جيش أسامة إلّا ارتقابا لموته ، ولا قال «حسبنا كتاب الله» إلّا بناء على وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم وما نسبه إلى الهجر إلا طعنا برأيه فيما يوصى به لما بعد الموت ، فكيف