بأنه لم ينه نهي تحريم بل نهي تنزيه ، وقوله : كل الناس أفقه ـ أو كل النساء ـ أفقه من عمر محمول على التواضع وكسر النفس.
يرد عليهم :
أن المروي أنه منع من ذلك وحظره (١) حتى قالت له المرأة ما قالت ، ولو كان غير حاظر للمغالاة لما كان في الآية حجة عليه حيث احتجت بها المرأة عليه ، ولا كان لكلام المرأة موقع ، ولا كان يعترف لها بأنها أفقه منه ، بل كان الواجب عليه أن يردّ عليها ويوبّخها ويضربها بالدرة كعادته مع مخالفيه ، ويعرّفها أنه ما حظر ذلك ، وإنما تكون الآية حجة عليه لو كان حاظرا مانعا ، وأما التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح ، وتصويب الخطأ ، إذ لو كان الأمر على ما توهمه المجيب لو كان هو المصيب والمرأة مخطئة ، وكيف يتواضع بكلام يوهم أنه المخطئ وهي المصيبة (٢).
الطعن الثامن :
تجسّسه على بعض المسلمين ، فقد روى ابن أبي الحديد وغيره أن عمر كان يعسّ ليلة ، فمر بدار سمع فيها صوتا ، فارتاب وتسوّر ، فرأى رجلا عند امرأة وزق خمر ، فقال ؛ يا عدو الله ، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته! فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين ، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث :
قال الله تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا) وقد تجسست ، وقال (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وقد تسوّرت ، وقال «فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أهلها» وما سلّمت ، فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال : نعم والله لا أعود ، فقال : اذهب فقد عفوت عنك (٣). وفي نص آخر: دخل على جماعة ظنا منه أنهم على حرام فكان العكس (٤).
__________________
(١) لاحظ ما رواه ابن كثير في تفسيره من أن عمر نهى عن كثرة الصداق ثم رجع عن ذلك.
(٢) الشافي ج ٤ / ١٨٥.
(٣) شرح النهج ج ١١ / ٢٠٥ سيرة عمر.
(٤) مجمع البيان في تفسير القرآن ج ٩ / ١٧٠ سورة الحجرات ، آية : ١٣.