عمرو بن ميمون في خبر طويل يشتمل على قصة قتل عمر ، قال : قال لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، وقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولا وثرنّ به اليوم على نفسي.
فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه ، فقال: ما لديك؟ فقال : الذي تحبّ يا أمير المؤمنين أذنت ، فقال : الحمد لله ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، قال : فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلّم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين.
فهذا دليل واضح على جهله أو تسويله أو تمويهه على العوام ، لما قد عرفت من أنه إن كان صدقة يشترك فيه المسلمون ، كما يدلّ عليه الخبر الذي افتراه أبو بكر ، فتحريم التصرّف فيه بالدفن ونحوه واضح ، وإن كان ميراثا فالتصرف فيه قبل القسمة من دون استئذان جميع الورثة أيضا محرّم ، ولا ينفع طلب الإذن من عائشة وحدها.
ومن أعجب العجب أنّ الجهال من المخالفين بل علماؤهم يعدّون هذا الدفن من مناقبهما وفضائلهما ، بل ويستدلون به على استحقاقهما للإمامة والخلافة ، فقد روى الشيخ المفيد قدّس الله روحه في محاسنه أنّ فضال بن الحسن بن فضال مرّ بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أخجل أبا حنيفة ، فدنا منه فسلّم عليه فردّ وردّ القوم بأجمعهم السلام عليه ، فقال : يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخا يقول : خير الناس بعد رسول الله عليّ بن أبي طالب ، وأنا أقول : أبو بكر خير الناس وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول