فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحا ، والله لئن فعلوا لتفعلنّ ، ولئن فعلت ليفعلنّ ثم أخذ بناصيته فقال : فإذا كان كذلك فاذكر قولي فإنه كائن (١).
ونلاحظ في هذا النص : دعوى عمر أن قريش ستقلّد عثمان هذا الأمر لحبها له وإيثارهم بالفيء ثم تذبحه العرب على فراشه ، وهي ـ أي هذه الدعوى ـ تفرّس بعلم الغيب وأنى لعمر به لو صحت نسبته إليه ، لأن الغيب لله تعالى يطلعه على خاصة أوليائه ، ولم يكن عمر منهم ، وهل الولاية أن يسلب أمير المؤمنين عليا وزوجه الزهراء عليهماالسلام حقهما ، وقد ورد في حقهما ما ورد من المديح والإطراء؟! ويحتمل أن عمر يعلم نفسية عثمان وإيثاره لأقاربه على غيرهم.
والذي نراه أن عمر كان يظن نفسه أنه يمثّل قبيلة قريش كلها ، من هنا ما اختاره عمر فكأنما اختارته قريش ، فتنصيب عثمان كان بإيحاء من عمر نفسه ، وما عابه عمر على أهل الشورى (عدا أمير المؤمنين حيث نعته عمر بالدعابة) يصلح لأن يكون سببا في حرمة تولية أحد منهم للخلافة ، أما الدعابة المنسوبة لأمير المؤمنين فليست كذلك ، وهل من العيب أن يلاطف المؤمن اخوانه بالإيمان ، وكان ورد عن النبيّ أمثال ذلك ولكنه لم يقل إلّا حقا. هذا مضافا إلى أن نسبة الدعابة إلى أمير المؤمنين غير صحيحة لكونها تعارض المرويات الصحيحة الأخرى الدالة على عكس ذلك ، مع أن رواية الدعابة هي خبر واحد تفرد بنقله عمر بن
__________________
(١) شرح النهج ج ١ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ، وقريب منه في نفس المصدر ج ١٢ / ٢٢٧ وص ٣٦٤ وفيها قال : إن فيه ـ أي الإمام علي ـ بطالة وفكاهة. أقول : حاشا لله أن يوصف الإمام عليّ بذلك! وإنما يوصف به أهل الدعابة واللهو ، وكما قال ابن أبي الحديد في شرحه ج ١٢ / ٣٧٨ : إن الإمام عليهالسلام كان طلق الوجه ، سمح الأخلاق ، وأراد عمر بعبارته تلك أن يكون الإمام عليّ مثله بالفظاظة والخشونة ، لأن كل واحد يستحسن طبع نفسه ، ولا يستحسن طبع من يباينه في الخلق والطبع. وقد اعترض الإمام عليهالسلام على عمرو بن العاص عند ما وصفه بالدعابة فقال : «عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن فيّ دعابة وأني امرؤ تلعابة أعافس وأمارس ، لقد قال باطلا ونطق آثما ، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت» نهج البلاغة ، صبحي الصالح ، خطبة ٨٤.