إنما هلك من كان قبلكم ، لأنهم أقبلوا على كتب علمائهم وأساقفتهم ، وتركوا التوراة والإنجيل حتى درسا ، وذهب ما فيهما من العلم (١).
يرد عليه :
١ ـ ما الإشكال ـ عند عمر ـ أن يستطلع المسلمون على حضارات الشعوب الأخرى ويأخذوا منها ما ينفعهم ، فلم يرو عن رسول الله أنه نهى عن ذلك بل إن الانفتاح على الآخرين ودراسة ما لديهم من معارف وعلوم أمر يقره العقلاء ويؤكده القرآن الكريم لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٢). فليس الغرض (عند عمر) هو المحافظة على الكتاب الكريم وإنما ليمنع الرواية والحديث عن الأعاجم والفرس لفرط حساسيته منهم ، ولعقدة العنصرية العربية عنده ، وقد اشتهر عمر بذلك كما أنه اشتهر بمنعه من كتابة أحاديث النبيّ ، فقال يوما :
«جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمّد وأنا شريككم» (٣).
وقال لأبي هريرة الذي يروي عنه العامة كثيرا :
«لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس» (٤).
ولما أراد بعضهم أن يكتب السنن فاستشاروه بذلك فقال :
«إن قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا» (٥).
وعبارته المشهورة التي واجه بها النبيّ أكبر شاهد على مدعانا وهي : «حسبنا كتاب الله».
__________________
(١) شرح النهج ج ١٢ / ٢٦١.
(٢) سورة الحجرات : ١٣.
(٣) تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٧٣.
(٤) تاريخ ابن عساكر وأضواء على السنّة المحمدية الشيخ محمود أبو ريّة ص ٣٠١.
(٥) الملل والنحل للسبحاني ج ١ / ٥٧ نقلا عن تقييد العلم ص ٢٩.