فبينا عمر يوما جالس ، إذ جاءه الضبيع ، وعليه ثياب وعمامة ، فتقدم من عمر وقال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (١)؟ قال : ويحك أنت هو! فقام إليه فحسر عن ذراعيه ، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فإذا له ضفيرتان ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ثم أمر به فجعل في بيت ، ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة ، فإذا برأ أخرجه فضربه مائة أخرى ، ثم حمله على قتب وسيّره إلى البصرة ، وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرّم على الناس مجالسته ، وأن يقوم في الناس خطيبا ، ثم يقول : إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه وعند الناس حتى هلك ، وقد كان من قبل سيّد قومه (٢).
ملاحظة :
هل من العدل أن يضرب ضبيع مائة جلدة كل يوم ويغرّب عن بلده وتقاطع مجالسته من أجل سؤاله عمر بن الخطاب عن آية قرآنية أو عن الحروف المقطعة في القرآن؟! وهل كانت سيرة النبيّ كذلك حتى استنّ بها عمر؟! أم أن في حشاشته عصبية لا يسكّنها إلا انتقامه من الأبرياء والمستضعفين؟!!
وقد اعترف بعصبيته وغلظته رجل طالما دافع عن عمر ألا وهو ابن أبي الحديد فقال :
«وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة ، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد ، ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده ، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ، ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ، ولم يتحفظ منها ، وكان الأحسن أن يقول «مغمورا» أو «مغلوب بالمرض» وحاشاه أن يعني بها غير ذلك.
__________________
(١) سورة الذاريات : ١ ـ ٢.
(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٢٦١.