ثانيا : لو كان الأنصار أصحاب السقيفة يمخّضون النصيحة للإسلام والمسلمين لكان الأجدر بهم أن يلتفوا حول مولاهم الذي بايعوه في غدير خم فيكونوا له عليهالسلام أنصارا كما كانوا للنبيّ في ساعة العسرة ، وقد كان الأمير عليهالسلام ينتظر نصرة أربعين من المهاجرين والأنصار حسبما أوصاه رسول الله بأمر من الله بذلك.
الملاحظة الثانية : إنّ المهاجرين ادّعوا بخطبهم أمام الأنصار أنهم أولياء الرسول وعشيرته ، وأن منهم من كان ثاني اثنين في الغار ، ومن نصبه النبيّ ليصلّي عنه ، ومنهم أمين هذه الأمة (١) وفاروقها (٢) ، كل ذلك ليستدروا عواطف الأنصار ليحصلوا بذلك على دعمهم لهم بالبيعة.
والسؤال : لقد ادّعى المهاجرون أنّهم أحقّ بهذا الأمر ـ حسبما تقدّم آنفا عن أبي بكر وأمثاله ـ فهل كانوا حقيقة من عشيرة النبيّ والأولى بسلطانه وميراثه (٣)؟
والجواب :
الواقع يكذّب ذلك ، لأن الرءوس الثلاثة الكبيرة في السقيفة (أبو بكر ـ عمر ـ أبو عبيدة الجرّاح) كانوا من بطون متعددة مستقلة بعضها عن بعض ، فالنبيّ الكريم محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم من البطن الهاشمي المستقل عن هذه البطون والمتميز عليها ، وقد أشار إلى هذا العباس بن عبد المطلب في معرض رده على أبي بكر فقال : إن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.
__________________
(١) أرادوا به عبيدة بن الجراح الذي قال عنه النبيّ برواية مفتراة عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لأبعثنّ عليكم أمينا حقّ أمين ، فبعث معهم أبا عبيدة ، انظر : تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٣.
(٢) أي يقصدون عمر بن الخطاب.
(٣) ادعاها أبو بكر في خطبته أمام الأنصار في السقيفة ، لاحظ : تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٥٧ فصل في ذكر عما جرى بين المهاجرين والأنصار. وكذا ادعاها بشير بن سعد مع أنه أنصاري لكنه قالها تملقا لأبي بكر وحسدا لسعد بن عبادة ، انظر : الإمامة والسياسة فصل مخالفة بشير بن سعد ص ٢٥.