الملاحظة الثالثة :
إن المهاجرين الثلاثة في السقيفة صوّروا أن كل الأنصار يريدون أن يكون الخليفة منهم ، لكنّ الحقيقة غير هذا وذلك لوجود ثلة مؤمنة من الأنصار ثبتوا على ولائهم لأمير المؤمنين عليّعليهالسلام وأخلصوا بتشيعهم له أمثال سعد بن عبادة والمقداد والحباب بن المنذر وقيس بن سعد بن عبادة ، فهؤلاء كانوا في السقيفة يقودون جبهة الأنصار المعارضة للخط القبلي ، لذا يروى أن بعض الأنصار قالت : لا نبايع إلّا عليّا (١).
الملاحظة الرابعة :
إن الحلف الثلاثي كان قد خطّط للمؤامرة من قبل موت النبيّ ، من هنا تأخر أبو بكر بقدومه من منزله بالسنح حتى شوّش عمر على الحضور بإلقاء شبهته بأن النبيّ لم يمت ومن زعم ذلك فسوف يرجعنّ النبيّ ويقطع له يديه ورجليه ، فقضية الخلافة كانت متواجدة في ذهن عمر بن الخطاب وينتظر مجيء أبي بكر ليبدأ تحركهما في هذا المجال ، والأمر آنذاك كان يقتضي تسكين المسلمين وبث الشبهة في أذهانهم وانشغالهم بذلك ليتسنى لهم جمع الأعوان للانقلاب (٢) على الإمام عليّ وأصحابه ، ولا يعنينا ما رامه ابن أبي الحديد حيث ادعى أن عمر لمّا علم أن رسول الله قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها ، إما من الأنصار أو من غيرهم ، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس فأظهر ما أظهر وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم حراسة للدين (٣) والدولة إلى أن جاء أبو بكر.
ولمّا اتسقت الأمور لرواد الانقلاب الذين لم يحضروا حتى جنازة النبيّ بل
__________________
(١) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٢٥.
(٢) كان الانقلابيون ينتظرون قدوم أعداد كبيرة من مرتزقة الأعراب للإطاحة بخلافة أمير المؤمنين علي ، لذا لما جاءوا ورآهم عمر قال : لمّا رأيت قبيلة أسلم تضايقت بهم السكك أيقنت بالنصر ، لاحظ : تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٥٩ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٣١.
(٣) شرح النهج ج ٦ / ٢٤٨.