وهؤلاء الأطياب لم يسكتوا مطلقا بل تكلموا واعترضوا ولكنهم لم يشهروا سيفا إلا الزبير منهم ، وذلك لعلة عدم اكتمال العدة ، ولكثرة أعوان أصحاب السقيفة من داخل المدينة وخارجها ، لا سيما «قبيلة أسلم حيث أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر» (١).
فكانت سلطة أبي بكر مدعمة بقوة الحديد والنار ، والمشيّد لها هو عمر بن الخطاب على حدّ تعبير ابن أبي الحديد (٢).
وبشدة بطشه وفظاظته وحرصه على الملك توطد حكم أبي بكر ، ثم رجع عمر نفسه فتعوّذ منها فقال : إن قوما يقولون : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وإنه لو مات عمر لفعلنا وفعلنا ، أما إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، إلا أن الله وقى شرها ... فإن امرئ بايع امرأ من غير مشورة من المسلمين ، فإنهما بغرّة أن يقتلا» (٣).
حتى أن أبا بكر عبّر عن وصوله للحكم بالفلتة عند ما بايعه قوم من غير مشورة ، فغضب جماعة آخرون منهم أمير الثقلين بل أمير المؤمنين حتى الملائكة ، فقام أبو بكر ، فخطب الناس ، وقال :
«إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة ، وايم الله ما حرصت عليها يوما قط ، ولا سألتها الله في سر ولا علانية قط» (٤).
يرد عليه :
__________________
ـ يرد عليه النصرة والمعونة ، فأجابه أربعون رجلا ، فبايعوه على الموت ثم أمرهم أن يحلقوا رءوسهم ومعهم سلاحهم ، فأصبح لم يوافه منهم إلا أربعة : الزبير والمقداد وأبو ذر وسلمان ، انظر : شرح النهج ج ١٢ / ١٢.
(١) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٥٩ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٣١.
(٢) شرح النهج ج ١ / ١٣٥ ، قال : وعمر هو الذي شيّد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها.
(٣) شرح النهج ج ١٢ / ١١ ـ ١٢ وفي لفظ ابن هشام : «فلتة فتمّت» سيرة ابن هشام ج ٤ / ٣٠٨.
(٤) نفس المصدر ج ٣ / ٢٠٥.