فأنت ـ أخي القارئ ـ أرشدك الله «إذا تأملت قول أمير المؤمنين في خطبته الشقشقية بقوله : «فيا عجبا ...» وجدته عجبا وعرفت منه المغزى الذي كان من الرجل في القول ، وبان خلاف الباطن منه للظاهر ، وتيقّنت الحيلة التي أوقعها ، والتلبيس وعثرت به على الضلال وقلة الدين» (١).
إن مقالة أبي بكر تلك ، دلالة واضحة على جهله وشيطنته «إن لي شيطانا يعتريني» ، وحري بأن ترعاه أمته ورعيّته ، فتعينه وتسدّده وتقوّمه عند الخطل والزيغ؟ ولعل تلك الشدّة في إباءة الله وملائكته والمؤمنين خلافة أي أحد إلّا أبا بكر كانت مكذوبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين ، أو كانت صحيحة غير أنها مقيّدة بإرادة أبي بكر نفسه ومشيئته؟ لاها الله كانت مكذوبة ليس إلّا.
والخلاصة : إن مقالة أبي بكر تلك «أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم» فيها إشارة أيضا إلى تحريض المسلمين على قتل أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، بمعنى أن استقالته الأمر بقتل الإمام عليّعليهالسلام أي ما دام عليّ فيكم موجودا فأنا لست بخيركم فاقتلوه حتى أكون خليفة بلا منازع (٢).
هذا مضافا إلى أن مقالته تلك تشير أيضا إلى عدم استحقاقه الخلافة ، بيان ذلك : أنه كان صادقا في كلامه فلا يصلح للخليفة أن يعتريه إبليس فيلبّس على المسلمين دينهم ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا لها لاشتراط العصمة في الإمامة.
شبهة وحل :
وجه الشّبهة :
إن أبا بكر إنما قال «أقيلوني فلست بخيركم» ليثوّر ما في نفوس الناس من بيعته ، ويخبر ما عندهم من ولايته ، فيعلم مريدهم وكارههم ومحبهم ومبغضهم ، فلما رأى النفوس إليه ساكنة ، والقلوب لبيعته مذعنة ، استمر على إمارته ، وحكم
__________________
(١) الفصول المختارة للشيخ المفيد ص ٢٤٧.
(٢) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / للميرزا حبيب الله الخوئي ج ٣ / ٥٧.