وقد حاول بعض المتأخرين من العامة الدفاع عن الخط السلفي ، منهم ابن خلدون فقال : «أما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضوح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل .. لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له» (١).
لكنّ ضعفه ظاهر ، إذ كيف يغلّبوا أدلة التنزيه ثم يتوقفون في الآيات المتشابهة التي ظاهرها التجسيم ولا يؤولونها؟!! لأن من شروط التنويه تأويل كل خبر يخالف بظاهره تنزيه الباري عزوجل.
وبالجملة : فإن السلف سواء كانوا صحابة أم تابعين لا حصانة عليهم ضد أي نقد ولو كان بنّاء ، لأن أحقّ أن يتبع لا السلف.
وإضافة «الصالح» إلى السلف يعتبر تمويها وتزويرا للحقائق والمسلّمات الدينية والتاريخية. وأول من أصبغها على الصحابة هو عمر بن الخطاب يوم السقيفة ثم تبعه أصحاب مدرسته لا سيّما في عصر الدولة الأموية حيث إنّ أكثر الأحاديث في فضائل الصحابة افتعلت أيام الأمويين تقرّبا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم ، وقد صفّت هذه الأحاديث بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الأرض ، وتصبّ اللعنات على كل من سبّ أحدا منهم أو اتهمه بسوء.
وأشار محمّد عبده إلى ما صنعه معاوية لنفسه بأن وضع قوما من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على الإمام عليّ عليهالسلام تقضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلفوا على ما أرضاه ، منهم أبو هريرة (٢).
__________________
(١) عقائد السنة ص ٤٢ نقلا عن مقدمة ابن خلدون.
(٢) مقدمة محمد عبده على رسالة التوحيد ص ٧ وشيخ المضيرة ص ٣٠١ محمود أبو ريّة.