هذا إلا نتيجة التغييب والتجهيل المستمرين ؛ وهما وحدهما يولّدان الفرقة والتشرذم.
وأخيرا ، علينا أن ندرك أنّ عرض المسائل الخلافية بين الفريقين لا يوجب فصم عرى الوحدة بين المسلمين ولا وهنهم ، بل العكس هو الصحيح لأنّ ذلك ممّا يوجب تعرّفهم على بعضهم عن كثب مما يزيد في قوّتهم والتعرّف على نقاط الضعف لديهم فيتجنّبونها مما يفضي إلى مواجهة أعدائهم والوقوف سدا منيعا في وجه المخططات التي تحاك ضدّهم.
إضافة إلى أنّ الخوض في مسائل الخلافة ليس أمرا هامشيا ، بل هو ممّا دعا إليه الإسلام الذي حثّ على المجادلة مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن فقال :
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (١).
فهذا حال المسلمين مع أهل الكتاب ، فبطريق أولى الفرق الإسلامية التي تختلف مع الشيعة في مسألة الخلافة ، فيجب ألّا تقف من الشيعة موقف العداء بل عليها أن تتحلّى بروح المباحثة والانفتاح الفكريّ لا أن تعيش الانغلاق والتقوقع.
لذا ومن منطلق الحوار الهادي ، الذي يؤلّف بين القلوب ويقرّبها إلى المبدأ المتعال كان اجتماع علماء بغداد في العقد الرابع الهجريّ ، فكان حصيلته حصحصة الحق وبلورة الحقيقة من دون حصول ضجّة إعلامية تبعد بالمجتمعين عن الدنوّ والقرب من الله تعالى.
وهنا لا بأس بالتطرق إلى نقطتين هامّتين :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٦٤.