وأول منع لتدوين الحديث كان في آخر حياة النبيّ على فراش الموت لمّا قال لهم : «هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعده أبدا. قال عمر بن الخطاب : إن النبيّ ليهجر» (١).
لذا لمّا منعوه عن الكتابة أجابهم روحي فداه :
«دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ...».
ثم قال أيضا : أوصيكم بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة عمدا أو قال الراوي : فنسيتها». ألم يقل ابن الخطاب «حسبنا كتاب الله»؟ (٢).
عندها منع القوم من إحضار الدواة والكتف!
ثم عند ما اعتلى أبو بكر سدة الخلافة نفّث عما في صدره فقال :
«إنكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرّموا حرامه» (٣).
والعجب كل العجب من أبي بكر كيف يأمر الناس بكتاب الله في حين منع إرث الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام من الخمس وفدك لحديث انفرد به عن النبيّ «لا نورّث ما تركناه صدقة» ، وقد احتجت عليه سيدة النساء روحي فدا نعليها : بقوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ).
فرفض أبو بكر ذلك وتمسك بحديث يخالف صريح القرآن ، أضف إلى ذلك
__________________
(١) لاحظ تاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٢٠ وصحيح البخاري ج ٥ / ١٦١ وفي لفظ الطبري ج ٢ / ٤٤٦ ، ط / الأعلمي «ما شأنه أهجر استفهموه ...» «إن رسول الله يهجر».
(٢) الملل والنحل ج ١ / ٢٢.
(٣) تذكرة الحفّاظ : ترجمة أبي بكر.