الشروط المعتبرة ، لا سيّما العصمة منها حيث لا يمكن لأحد أن يتعرّف على هذا المعصوم لكونها أمرا خفيا عن الناس ، يظهره الله على يد من جرت على يديه المعجزة أو الكرامة للتدليل على صحة تعيينه من قبل الله عزّ اسمه.
إنّ الذين عهدوا اختيار الإمام الخليفة إلى الناس ، قد غيّروا في الحقيقة المفهوم القرآني للإمامة ، وإدارة شئون الناس الدنيوية ، وإلّا فإن شروط الإمامة بمعناها الجامع الكامل لا تعرف إلا عن طريق الإلهام الربوبي ، لأنه عزوجل لوحده العالم «استقلالا» بهذه الصفات.
إن مسألة انتخاب الخليفة أشبه بانتخاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي لا يمكن أن ينتخبه الناس بالتصويت ، بل الله هو الذي يختاره ويتعرّف عليه الناس عن طريق المعجزة ، لأن الصفات اللازم توفرها في النبيّ لا يعرفها إلّا الله عزّ قدسه.
من هنا يعتقد الإمامية أن النبيّ عيّن الخليفة بأمر من الله تعالى لأمور عدة :
الأول : إنّ الإسلام دين عالمي وخالد لا يقتصر على زمان ولا مكان معينين ، كما أن الإسلام لم يكن بعد قد تجاوز شبه الجزيرة العربية عند شهادة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف يكون عالميا وخالدا ، ولا يترك بعده من يبلّغ الناس أحكام الدين ومباديه.
الثاني : إن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبلّغ كل الأحكام الشرعية التي أنزلها الله عزوجل عليهصلىاللهعليهوآلهوسلم لفقدان الظروف الموضوعية كي يبلّغها للناس : إما لعدم توفر القابليات لذلك ، وإما لأنّ زمانها لم يأت بعد ، فلا بدّ من حامل لتلك الأحكام لكي يوصلها إلى أهلها.
الثالث : إنّ النبيّ كان يعلم أنه إن لم يعيّن الخليفة ، فسوف تكثر الخلافات والانشقاقات والتأويلات في فهم النصوص مما يؤدي إلى التقاتل والفتنة ، فضلا عن ذلك فإن التنبؤ بالمستقبل المشرق وإعداد المقدمات للاستمرار في إدامة الإسلام كدين تستوعب أحكامه كل مجالات الحياة ، كان من أهم الأمور التي لا بدّ أن يفكّر فيها كل قائد ، فكيف بسيّد القادة والحكماء رسول الله محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟